الِاعْتِرَاضُ حَصَلَ بِتَقْدِيمِ جُمْلَتِهَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مُبَادَرَةً مِنَ الْمُتَكَلِّمِ بِإِفَادَتِهِ لِأَهَمِّيَّتِهِ، وَأَصْلُ تَرْتِيبِ الْكَلَامِ هُنَا: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» دُخُولَ الْفَاءِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي مَعَانِي الْفَاءِ فَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمُونَ أَنَّ الْفَاءَ لَا تَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ لَا لِيَكُونَ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ، بَلْ لِيَنْشَرِحَ صَدْرُكَ بِهِ.
وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ بِصِيغَةِ نَهْيِ الْحَرَجِ عَنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي صدر النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ النَّهْيُ نَهْيَ تَكْوِينٍ، بِمَعْنَى تَكْوِينِ النَّفْيِ، عَكْسَ أَمْرِ التَّكْوِينِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى تَكْوِينِ الْإِثْبَاتِ. مُثِّلَ تَكْوِينُ نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْ صَدْرِهِ بِحَالَةِ نَهْيِ الْعَاقِلِ الْمُدْرِكِ لِلْخِطَابِ، عَنِ الْحُصُولِ فِي الْمَكَانِ. وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» النَّهْيَ مُتَوَجِّهًا فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ نَهْيَهُ عَنِ الْمُبَالَاةِ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ، وَالْغَمِّ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَجَعَلَ النَّهْيَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْحَرَجِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّكْلِيفِ، بِاقْتِلَاعِهِ مِنْ أَصْلِهِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِ الْعَرَبِ: «لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا» أَيْ لَا تَحَضُرْ فَأَرَاكَ، وَقَوْلِهِمْ: «لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا» أَيْ لَا تَفْعَلْهُ فَأَعْرِفْكَ بِهِ، نَهْيًا بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالتَّفْرِيعُ مُنَاسِبٌ لِمَعَانِي التَّنْكِيرِ الْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِهِ:
كِتابٌ، أَيْ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ مَا جَرَّهُ نُزُولُهُ إِلَيْكَ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِكَ وَإِنْكَارِهِمْ نُزُولَهُ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ مِنْ عِظَمِ أَمْرِهِ وَجَلَالَتِهِ، وَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ سَبَبُ شَرْحِ صَدْرِكَ بِمَعَانِيهِ وَبَلَاغَتِهِ.
وَ (مِنِ) ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ حَرَجٌ يَنْشَأُ وَيَسْرِي مِنْ جَرَّاءِ الْمَذْكُورِ، أَيْ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ، فَلَمَّا كَانَ التَّكْذِيبُ بِهِ من جملَة شؤونه، وَهُوَ سَبَبُ الْحَرَجِ، صَحَّ أَنْ يُجْعَلَ الْحَرَجُ مُسَبَّبًا عَنِ الْكِتَابِ بِوَاسِطَةٍ. وَالْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حَرَجٍ مِنْ إِنْكَارِهِ أَيْ إِنْكَارِ إِنْزَالِهِ مِنَ اللَّهِ.
وَالْحَرَجُ حَقِيقَتُهُ الْمَكَانُ الضَّيِّقُ مِنَ الْغَابَاتِ الْكَثِيرَةِ الْأَشْجَارِ، بِحَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute