يَطْلُبُ فِيهِمَا النَّاسُ الرَّاحَةَ وَالدَّعَةَ، فَوُقُوعُ الْعَذَابِ فِيهِمَا أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ، وَلِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِالْعَذَابِ فِيهِمَا يُنَغِّصُ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ تَخَيُّلَ نَعِيمِ الْوَقْتَيْنِ.
وَالْمَعْنَى: وَكَمْ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ مُشْرِكِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ جَزَاءً عَلَى شِرْكِهِمْ، فَكُونُوا يَا مَعْشَرَ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ أَنْ نُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ فَإِنَّكُمْ وَإِيَّاهُمْ سَوَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: فَما كانَ دَعْواهُمْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ تَبَعًا لِلِفَاءٍ فِي
قَوْلِهِ: فَجاءَها بَأْسُنا لِأَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذْكُورِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلتَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ لِأَنَّ دَعْوَاهُمْ تَرَتَّبَتْ عَلَى مَجِيءِ الْبَأْسِ.
وَالدَّعْوَى اسْمٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَقَوْلِهِ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ [يُونُس: ١٠] وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَالدُّعَاءُ هُنَا لِرَفْعِ الْعَذَابِ أَيِ الِاسْتِغَاثَةِ عِنْدَ حُلُولِ الْبَأْسِ وَظُهُورِ أَسْبَابِ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ النَّاسِ إِذَا حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ أَنْ يَجْأَرُوا إِلَى اللَّهِ بِالِاسْتِغَاثَةِ، وَمَعْنَى الْحَصْرِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَغِيثُوا اللَّهَ وَلَا تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَلَكِنَّهُمْ وَضَعُوا الِاعْتِرَافَ بِالظُّلْمِ مَوْضِعَ الِاسْتِغَاثَةِ فَلِذَلِكَ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ مِنَ الدَّعْوَى.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ أَيِ: انْقَطَعَتْ كُلُّ الدَّعَاوَى الَّتِي كَانُوا يَدَّعُونَهَا مِنْ تَحْقِيقِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ وَأَنَّ دِينَهُمْ حَقٌّ، فَلَمْ تَبْقَ لَهُمْ دَعْوَى، بَلِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ اعْتِرَافَهُمْ لَيْسَ بِدَعْوَى.
وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ إِمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مُقَدِّمَةُ التَّوْبَةِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ يَتَقَدَّمُهَا الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ، فَهُمُ اعْتَرَفُوا عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَنْتَقِلُوا مِنَ الِاعْتِرَافِ إِلَى طَلَبِ الْعَفْوِ، فَعُوجِلُوا بِالْعَذَابِ، فَكَانَ اعْتِرَافُهُمْ- آخِرُ قَوْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا- مُقَدِّمَةً لِشَهَادَةِ أَلْسِنَتِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute