للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا قَدَّمَ الظَّرْفَ وَهُوَ فِي قُلُوبِهِمْ لِلِاهْتِمَامِ لِأَنَّ الْقُلُوبَ هِيَ مَحَلُّ الْفِكْرَةِ فِي الْخِدَاعِ فَلَمَّا كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ مُتَعَلِّقُهَا وَأَثَرُهَا كَانَ هُوَ الْمُهْتَمَّ بِهِ فِي الْجَوَابِ. وَتَنْوِينُ مَرَضٌ لِلتَّعْظِيمِ. وَأَطْلَقَ الْقُلُوبَ هُنَا عَلَى مَحَلِّ التَّفْكِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَة: ٧] .

وَالْمَرَضُ حَقِيقَةٌ فِي عَارِضٍ لِلْمَزَاجِ يُخْرِجُهُ عَنِ الِاعْتِدَالِ الْخَاصِّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الْجِسْمِ خُرُوجًا غَيْرَ تَامٍّ وَبِمِقْدَارِ الْخُرُوجِ يَشْتَدُّ الْأَلَمُ فَإِنْ تَمَّ الْخُرُوجُ فَهُوَ الْمَوْتُ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ الْعَارِضَةِ لِلْأَخْلَاقِ الْبَشَرِيَّةِ عُرُوضًا يُخْرِجُهَا عَنْ كَمَالِهَا، وَإِطْلَاقُ

الْمَرَضِ عَلَى هَذَا شَائِعٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَتَدْبِيرُ الْمِزَاجِ لِإِزَالَةِ هَذَا الْعَارِضِ وَالرُّجُوعِ بِهِ إِلَى اعْتِدَالِهِ هُوَ الطِّبُّ الْحَقِيقِيُّ وَمَجَازِيٌّ كَذَلِكَ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ الْمُلَقَّبُ بِالْفَحْلِ:

فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

فَذَكَرَ الْأَدْوَاءَ وَالطِّبَّ لِفَسَادِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحِهَا.

وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ هُوَ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَذَمَّتِهِمْ وَبَيَانِ مَنْشَأِ مُسَاوِي أَعْمَالِهِمْ.

وَمَعْنَى فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً أَنَّ تِلْكَ الْأَخْلَاق الذميمة النَّاشِئَةَ عَنِ النِّفَاقِ وَالْمُلَازَمَةِ لَهُ كَانَتْ تَتَزَايَدُ فِيهِمْ بِتَزَايُدِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَخْلَاقِ إِذَا تَمَكَّنَتْ أَنْ تَتَزَايَدَ بِتَزَايُدِ الْأَيَّامِ حَتَّى تَصِيرَ مَلِكَاتٍ كَمَا قَالَ الْمَعْلُوطُ الْقُرَيْعِيُّ:

وَرَجِّ الْفَتَى لِلْخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ ... عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لَا يَزَالُ يَزِيدُ

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشَّرِّ وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَنْ لَمْ يَتَحَلَّمْ فِي الصِّغَرِ لَا يَتَحَلَّمْ فِي الْكِبَرِ، وَقَالَ النَّابِغَةُ يَهْجُو عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ:

فَإِنَّكَ سَوْفَ تَحْلُمُ أَوْ تَنَاهَى ... إِذَا مَا شِبْتَ أَوْ شَابَ الْغُرَابُ

وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ مُوجِبًا لِازْدِيَادِ مَا يُقَارِنُهُ مِنْ سَيِّءِ الْأَخْلَاقِ لِأَنَّ النِّفَاقَ يَسْتُرُ الْأَخْلَاقَ الذَّمِيمَةَ فَتَكُونُ مَحْجُوبَةً عَنِ النَّاصِحِينَ وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرْشِدِينَ وَبِذَلِكَ تَتَأَصَّلُ وَتَتَوَالَدُ إِلَى غَيْرِ حَدٍّ فَالنِّفَاقُ فِي كَتْمِهِ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ بِمَنْزِلَةِ كَتْمِ الْمَرِيضِ دَاءَهُ عَنِ الطَّبِيبِ، وَإِلَيْكَ بَيَانُ مَا يَنْشَأُ عَنِ النِّفَاقِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي الْجَدْوَلِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَأَشَرْنَا إِلَى مَا يُشِيرُ إِلَى كُلِّ خُلُقٍ مِنْهَا فِي الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ هُنَا أَوْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى فِي هَذَا الْجَدْوَلِ: