عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ [١٤٠] : قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً بَعْدَ قَوْلِهِ: قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الْأَعْرَاف: ١٣٨] إِذْ جَعَلَ وَجْهَ إِعَادَةِ لَفْظِ قَالَ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَقَالَيْنِ مِنَ الْبَوْنِ، فَالْأَوَّلُ رَاجِعٌ إِلَى مُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِبُطْلَانِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فِي ذَاتِهِ، وَالثَّانِي إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْخَفَاجِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى ابْنِ عَرَفَةَ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَوَارُدِ الْخَوَاطِرِ وَقَالَ أَبُو السُّعُودِ: إِعَادَةُ الْقَوْلِ إِمَّا لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ بِمَضْمُونِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِيها تَحْيَوْنَ [الْأَعْرَاف: ٢٥] وَإِمَّا لِلْإِيذَانِ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ فَما خَطْبُكُمْ [الْحجر: ٥٧]- إِثْرَ قَوْلِهِ- قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ [الْحجر: ٥٦] فَإِنَّ الْخَلِيلَ خَاطَبَ الْمَلَائِكَةَ أَوَّلًا بِغَيْرِ عُنْوَانِ كَوْنِهِمْ مُرْسَلِينَ، ثُمَّ خَاطَبَهُمْ بِعُنْوَانِ كَوْنِهِمْ مُرْسَلِينَ عِنْدَ تَبَيُّنِ أَنَّ مَجِيئَهُمْ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الْبِشَارَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: فَما خَطْبُكُمْ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ [الْإِسْرَاء: ٦٢]- بَعْدَ قَوْلِهِ- قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الْإِسْرَاء: ٦١] فَإِنَّهُ قَالَ قَوْلَهُ الثَّانِيَ بَعْدَ الْإِنْظَارِ الْمُتَرَتَّبِ عَلَى اسْتِنْظَارِهِ الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ فِي
مَوَاضِعَ أُخْرَى، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فِي مَوَاضِعَ، وَالتَّوْجِيهُ الثَّانِي مَرْدُودٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْإِحَاطَةُ وَلَا الِاتِّصَالُ.
وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ أُسْلُوبًا فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الْبَلِيغُ، وَأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْعَطْفِ بِثُمَّ، وَلِلْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَإِعَادَةِ فِعْلِ الْقَوْلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ [الْأَعْرَاف: ٣٩]- بَعْدَ قَوْلِهِ- قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا [الْأَعْرَاف: ٣٨] ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ تَوْجِيهُ إِعَادَةِ فِعْلِ الْقَوْلِ، وَكَوْنِهِ مُسْتَأْنَفًا: إِنَّهُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، إِيذَانًا بِتَغَيُّرِ الْخِطَابِ بَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ تَخَالُفٌ مَا، فَالْمُخَاطَبُ بِالْأَوَّلِ آدَمُ وَزَوْجُهُ والشّيطان، والمخاطب بالثّاني آدَمُ وَزَوْجُهُ وَأَبْنَاؤُهُمَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخِطَابُ قَبْلَ حُدُوثِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ فَهُوَ خِطَابٌ لَهُمَا بِإِشْعَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَبَوَا خَلْقٍ كَثِيرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute