وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِـ قُلْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مَسُوقٌ لِلرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَالْمُحَاوَرَةِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ قُصِدَ بِهِ التَّهَكُّمُ إِذْ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ عِلْمٍ يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْبَيَانُ
وَالْإِفَادَةُ نَظِيرَ قَوْلِهِ: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا [الْأَنْعَام: ١٤٨]- وَقَوْلِهِ- نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْأَنْعَام: ١٤٣] وَقَرِينَةُ التَّهَكُّمِ: إِضَافَةُ الزِّينَةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ، وَتَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا أَخْرَجَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَوَصْفُ الرِّزْقِ بِالطَّيِّبَاتِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ، فَالِاسْتِفْهَامُ يَؤُولُ أَيْضًا إِلَى إِنْكَارِ تَحْرِيمِهَا.
وَلِوُضُوحِ انْتِفَاءِ تَحْرِيمِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَأَنَّ السُّؤَالَ سُؤَالُ عَالِمٍ لَا سُؤَالُ طَالِبِ عِلْمٍ، أُمِرَ السَّائِلُ بِأَنْ يُجِيبَ بِنَفْسِهِ سُؤَالَ نَفْسِهِ، فَعُقِّبَ مَا هُوَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٢] ،- وَقَوْلُهُ- عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النَّبَإِ: ١، ٢] فَآلَ السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ إِلَى خَبَرَيْنِ.
وَضَمِيرُ: هِيَ عَائِدٌ إِلَى الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِ تَحْرِيمِ مَنْ حَرَّمَهَا، أَيِ: الزِّينَةُ وَالطَّيِّبَاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ حَلَالٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فَمَنْ حَرَّمَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَدْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ.
وَاللَّامُ فِي: لِلَّذِينَ آمَنُوا لَامُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَالْمَعْنَى: مَا هِيَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهَا مُبَاحَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وَإِنَّمَا حَرَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَصْنَافٍ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كُلِّهَا مِثْلَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَمَا فِي بُطُونِهَا، وَحَرَمَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَشْيَاءَ فِي أَوْقَاتٍ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِمَّا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ اللِّبَاسِ فِي الطَّوَافِ وَفِي مِنًى، وَمِنْ أَكْلِ اللُّحُومِ وَالْوَدَكِ وَالسَّمْنِ وَاللَّبَنِ، فَكَانَ الْفَوْزُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذِ اتَّبَعُوا أَمْرَ اللَّهِ بِتَحْلِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ: خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَحْدَهُ: بِرَفْعِ خَالِصَةً عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ قَوْلِهِ: هِيَ أَيْ: هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَهُمْ خَالِصَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute