للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْحَقِّ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْبَغْيِ مِثْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْبَغْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَعَطْفُ الْبَغْيَ عَلَى الْإِثْمَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، لِأَنَّ الْبَغْيَ كَانَ دَأْبَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ سَوَّارُ بْنُ الْمُضَرَّبِ السَّعْدِيُّ:

وَأَنِّي لَا أَزَالُ أَخَا حُرُوبٍ ... إِذَا لَمْ أَجْنِ كُنْتُ مِجَنَّ جَانِ

وَالْإِشْرَاكُ مَعْرُوفٌ وَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ مُنْذُ خَلَقَ الْبَشَرَ.

وَمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ، وَ (مَا) مَفْعُولُ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ، وَالسُّلْطَانُ الْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ، وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ: بِهِ صِفَةٌ لِ سُلْطاناً، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى مَعَهُ أَيْ لَمْ يُنَزِّلْ حُجَّةً مُصَاحِبَةً لَهُ، وَهِيَ مُصَاحَبَةُ الْحُجَّةِ لِلْمُدَّعِي وَهِيَ مُصَاحَبَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ

بِقِنْطارٍ

[آل عمرَان: ٧٥] أَيْ سُلْطَانًا عَلَيْهِ، أَيْ دَلِيلًا. وَضَمِيرُ (بِهِ) عَائِدٌ إِلَى (مَا) وَهُوَ الرَّابِطُ لِلصِّلَةِ. فَمَعْنَى نَفْيِ تَنْزِيلِ الْحُجَّةِ عَلَى الشُّرَكَاءِ: نَفِيُ الْحُجَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَةِ الشَّرِكَةِ مَعَ اللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّاتِ وَالْمُرَادُ وَصْفُهَا، مِثْلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ أَيْ أَكْلُهَا. وَهَذِهِ الصِّلَةُ مُؤْذِنَةٌ بِتَخْطِئَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَنَفْيِ مَعْذِرَتِهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ، بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأَصْنَامِ الْعِبَادَةَ، فَعَرَّفَ الشُّرَكَاءَ الْمَزْعُومِينَ تَعْرِيفًا لِطَرِيقِ الرَّسْمِ بِأَنَّ خَاصَّتَهُمْ: أَنْ لَا سُلْطَانَ عَلَى شَرِكَتِهِمْ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، فَكُلُّ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ وَاضِحَةٌ فِيهِ هَذِهِ الْخَاصَّةُ، فَإِنَّ الْمَوْصُولَ وَصِلَتَهُ مِنْ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْوَصْفِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، وَلَا الْمَوْصُولَاتُ مَعْدُودَةٌ فِي صِيَغِ الْمَفَاهِيمِ، فَلَا يَتَّجِهُ مَا أَوْرَدَهُ الْفَخْرُ مِنْ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: هَذَا يُوهِمُ أَنَّ مِنْ بَيْنِ الشِّرْكِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا وَاحْتِيَاجُهُ إِلَى دَفْعِ هَذَا الْإِيهَامِ، وَلَا مَا قَفَّاهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الِانْتِصَافِ» مِنْ تَنْظِيرِ نَفْيِ السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِنَحْوِ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

على لَا حب لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ