للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَجَلُ فُلَانٍ» وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَلَغْنا أَجَلَنَا

الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا

[الْأَنْعَام: ١٢٨] وَالْوَاقِعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَصِحُّ لِلِاسْتِعْمَالَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْأَوَّلِ الْمُدَّةَ، وَبِالثَّانِي الْوَقْتَ الْمُحَدَّدَ لِفِعْلٍ مَا.

وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ هُنَا الْجَمَاعَةُ الَّتِي اشْتَرَكَتْ فِي عَقِيدَةِ الْإِشْرَاكِ أَوْ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ [الْأَعْرَاف: ٣٣] إِلَخْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ، الْجَمَاعَةَ الَّتِي يَجْمَعُهَا نَسَبٌ أَوْ لُغَةٌ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِرَاضُهَا عَنْ بَكَرَةِ أَبِيهَا، وَلَمْ يَقَعْ فِي التَّارِيخِ انْقِرَاضُ إِحْدَاهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُمَمِ أَنِ انْقَرَضَ غَالِبُ رِجَالِهَا بِحَوَادِثَ عَظِيمَةٍ مِثْلَ (طَسْمٍ) وَ (جَدِيسٍ) وَ (عَدْوَانَ) فَتَنْدَمِجُ بَقَايَاهَا فِي أُمَمٍ أُخْرَى مُجَاوِرَةٍ لَهَا فَلَا يُقَالُ لِأُمَّةٍ إِنَّ لَهَا أَجَلًا تَنْقَرِضُ فِيهِ، إِلَّا بِمَعْنَى جَمَاعَةٍ يَجْمَعُهَا أَنَّهَا مُرْسَلٌ إِلَيْهَا رَسُولٌ فَكَذَّبَتْهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ مَا صدق هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا أرسل محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ دَعْوَتَهُ فِيهِمْ وَلَهُمْ، فَآمَنَ بِهِ مَنْ آمَنَ، وَتَلَاحَقَ الْمُؤْمِنُونَ أَفْوَاجًا، وَكَذَّبَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَتَبِعَهُمْ مَنْ حَوْلَهُمْ، وَأَمْهَلَ اللَّهُ الْعَرَبَ بِحِكْمَتِهِ وبرحمة نبيّه

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ: «لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ»

فَلَطَفَ اللَّهُ بِهِمْ إِذْ جَعَلَهُمْ مُخْتَلِطِينَ مُؤْمِنَهُمْ وَمُشْرِكَهُمْ، ثُمَّ هَاجَرَ الْمُؤْمِنُونَ فَبَقِيَتْ مَكَّةُ دَارَ شِرْكٍ وَتَمَحَّضَ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَأْصَلُوهُمْ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ، إِلَى أَنْ تَمَّ اسْتِئْصَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ بِقَتْلِ بَقِيَّةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ وَمَنْ قُتِلَ مَعَهُ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ دَانَ الْعَرَبُ لِلْإِسْلَامِ وَانْقَرَضَ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَلَمْ تَقُمْ لِلشِّرْكِ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ عِنَايَتَهُ بِالْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ إِذْ كَانَتْ مِنْ أَوَّلِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ غَيْرَ مُتَمَحِّضَةٍ لِلشِّرْكِ، بَلْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْم الدّعوة، وَمَا زَالُوا يَتَزَايَدُونَ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ، بِأَجَلِ الْأُمَّةِ، أَجَلَ أَفْرَادِهَا، وَهُوَ مُدَّةُ حَيَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالسِّيَاقِ، وَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ إِلَى الْأُمَّةِ يُعَيِّنُ