بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَوْلِيَاءَ الشَّيَاطِينِ وَبَعْضَ صِفَاتِهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الْأَعْرَاف: ٢٧] وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ عَهِدَ لِبَنِي آدَمَ مُنْذُ الْقِدَمِ بِأَنْ يَتَّبِعُوا مَنْ يَجِيئُهُمْ مِنَ الرُّسُلِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِآيَاتِهِ لِيَتَّقُوا وَيُصْلِحُوا، وَوَعَدَهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ مَا جَاءَهُم بيني الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ وَأَوْعَدَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِكْبَارِ بِأَنْ يَكُونُوا أَصْحَابَ النَّارِ، فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ وَبَصَّرَهُمْ بِالْعَوَاقِبِ، فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِالْفَوَاحِشِ، أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا رَسُولُهُ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلْمًا عَظِيمًا حَتَّى يُسْأَلَ عَمَّنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى [الْأَنْعَام: ١٤٤] إِلَخْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: ٣٦] وَجُمْلَةِ: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْقِعِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ على تركيب:
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٤] ، وَأَنَّ الْاسْتِفْهَامَ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ.
وَالِافْتِرَاءُ وَالْكَذِبُ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١٠٣] . وَلِهَذِهِ الْآيَةِ اتِّصَالٌ بِآيَةِ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الْأَعْرَاف: ٤] مِنْ حَيْثُ مَا فِيهَا مِنَ التَّهْدِيدِ بِوَعِيدِ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَتَفْظِيعِ أَهْوَالِهِ.
وَ (مَنْ) اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَهْوِيلِ ظُلْمِ هَذَا الْفَرِيقِ، المعبّر عَنهُ بِمن افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا. وَ (مَنِ) الثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهِ الصِّلَةُ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَظْلَمَ النَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ أَظْلَمُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الظُّلْمَ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقٍّ، وَأَعْظَمُ الْحُقُوقِ هِيَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَعْظَمُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِخْفَافِ بِصَاحِبِهِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُكَذِّبَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ بِأَنْ يكذب عَلَيْهِ قيبلّغ عَنْهُ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ عَطَّلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جِهَتَيْنِ: جِهَةِ إِبْطَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ، وَجِهَةِ إِيهَامِ النَّاسِ بِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ مِنْهُمْ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute