الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ وَيُصَادِفَهُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَلْبِ الْمَبْنِيِّ عَلَى عَكْسِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ:
وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ ... كَأَنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ
وَقَوْلِهِمْ: «عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ» .
وَالنَّصِيبُ الْحَظُّ الصَّائِرُ لِأَحَدِ الْمُتَقَاسِمِينَ مِنَ الشَّيْءِ الْمَقْسُومِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٠٢] ، وَقَوْلِهِ: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧] .
وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ، فَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مُسْتَعْمَلًا حَقِيقَةً فَهُوَ الْقُرْآنُ، وَنَصِيبُهُمْ مِنْهُ هُوَ نَصِيبُهُمْ مِنْ وَعِيدِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى آنِفًا: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: ٣٦] ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَجَازًا فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [الرَّعْد: ٣٨] أَيِ الْكِتَابُ الثَّابِتُ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ إِحْقَاقِ كَلِمَةِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، فَنَصِيبُهُمْ مِنْهُ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ قَدَّرَهُ لَهُمْ مِنَ الْخُلُودِ فِي الْعَذَابِ، وَأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا سَبَقَ تَقْدِيرُهُ لَهُمْ مِنَ الْإِمْهَالِ وَذَلِكَ هُوَ تَأْجِيلُهُمْ إِلَى أَجَلٍ أَرَادَهُ ثُمَّ اسْتِئْصَالُهُمْ بَعْدَهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ آنِفًا بِقَوْلِهِ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الْأَعْرَاف: ٣٤] .
وَحَمَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ النَّصِيبَ عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالْإِمْهَالِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ مَعْنَى الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ وَلَا أَحْسَبُ الْحَادِيَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا لِيَكُونَ نَوَالُ النَّصِيبِ حَاصِلًا فِي مُدَّةٍ مُمْتَدَّةٍ لِيَكُونَ مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ لِتَوَفِّيهِمْ غَايَةً لِانْتِهَاءِ ذَلِكَ النَّصِيبِ، اسْتِبْقَاءً لِمَعْنَى الْغَايَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي (حَتَّى) . وَذَلِكَ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ، فَإِنَّ حَتَّى الِابْتِدَائِيَّةَ لَا تُفِيدُ مِنَ الْغَايَةِ مَا تُفِيدُهُ الْعَاطِفَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَالْمَعْنَى: إِمَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَيُصِيبُهُ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى قَدْرِ عُتُوِّهِ فِي تَكْذِيبِهِ وَإِعْرَاضِهِ، فَنَصِيبُهُ هُوَ مَا يُنَاسِبُ حَالَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute