بِشَدَائِدِ الْمَوْتِ عَلَيْهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْهَبُونَهُ. وَالرُّسُلُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ
تَعَالَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السَّجْدَة: ١١]- وَقَالَ- وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ [الْأَنْفَال: ٥٠] .
وَجُمْلَةُ: يَتَوَفَّوْنَهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ رُسُلُنا وَهِيَ حَالٌ مُعَلِّلَةٌ لِعَامِلِهَا، كَقَوْلِهِ: وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الْأَعْرَاف: ٦١، ٦٢] أَيْ رَسُولٌ لِأُبَلِّغَكُمْ وَلِأَنْصَحَ لَكُمْ.
وَالتَّوَفِّي نَزْعُ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٥٥] وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلَا جَدْوَى فِي حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى، مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ، إِلَّا أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مَعْنَى الْغَايَةِ لِحَرْفِ (حَتَّى) فَتَوَفِّي الرُّسُلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَقْتَ أَنْ يَتَوَفَّوْهُمْ جَمِيعًا، إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّصِيبِ مِنَ الْكِتَابِ الِاسْتِئْصَالَ، أَيْ حِينَ تُبْعَثُ طَوَائِفُ الْمَلَائِكَةِ لِإِهْلَاكِ جَمِيعِ أُمَّةِ الشِّرْكِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يكون المُرَاد حَتَّى يَتَوَفَّوْنَ آحَادَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّصِيبِ مِنَ الْكِتَابِ وَعِيدَ الْعَذَابِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَالْقَوْلُ مَحْكِيٌّ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْزِيعُ أَيْ قَالَ كُلُّ مَلَكٍ لِمَنْ وُكِّلَ بِتَوَفِّيهِ، عَلَى طَرِيقَةِ: رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ.
وَقَدْ حُكِيَ كَلَامُ الرُّسُلِ مَعَهُمْ وَجَوَابُهُمْ إِيَّاهُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ، لِأَنَّ وُجُودَ ظَرْفِ الْمُسْتَقْبَلِ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ وَالتَّأْيِيسِ.
وَ (مَا) الْوَاقِعَةُ بَعْدَ أَيْنَ مَوْصُولَةٌ، يَعْنِي: أَيْنَ آلِهَتُكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَنْفَعُونَكُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَيَرُدُّونَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوكُمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَشْهَدُونَ الْعَذَابَ عِنْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، فَقَدْ جَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute