قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ [سبأ: ٣١] .
وَفِعْلُ: قالَ حِكَايَةٌ لِجَوَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ لِقَادَتِهِمْ، فَلِذَلِكَ فُصِلَ وَلَمْ يُعْطَفْ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ، وَالتَّنْوِينُ فِي قَوْلِهِ: لِكُلٍّ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ: لِكُلِّ أُمَّةٍ، أَوْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ ضِعْفٌ، أَيْ زِيَادَةُ عَذَابٍ مِثْلُ الْعَذَابِ الَّذِي هِيَ مُعَذَّبَةٌ أَوَّلَ الْأَمْرِ، فَأَمَّا مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ لِلْقَادَةِ فَلِأَنَّهُمْ سَنُّوا الضَّلَالَ أَوْ أَيَّدُوهُ وَنَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ بِالتَّمْوِيهِ وَالْمُغَالَطَاتِ فَأَضَلُّوا، وَأَمَّا مُضَاعَفَتُهُ لِلْأَتْبَاعِ فَلِأَنَّهُمْ ضَلُّوا بِإِضْلَالِ قَادَتِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ بِطَاعَتِهِمُ الْعَمْيَاءِ لِقَادَتِهِمْ، وَشُكْرِهِمْ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يَرْسُمُونَ لَهُمْ، وَإِعْطَائِهِمْ إِيَّاهُمُ الْأَمْوَالَ وَالرُّشَى، يَزِيدُونَهُمْ طُغْيَانًا وَجَرَاءَةً
عَلَى الْإِضْلَالِ وَيُغْرُونَهُمْ بِالِازْدِيَادِ مِنْهُ.
وَالِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ لِرَفْعِ مَا تُوهِمُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَادَةِ وَالْأَتْبَاعِ فِي مُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ: أَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَى الْأَتْبَاعِ بِلَا مُوجِبٍ، لِأَنَّهُمْ لَوْلَا الْقَادَةُ لَمَا ضَلُّوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْحَقَائِقَ وَلَا تَشْعُرُونَ بِخَفَايَا الْمَعَانِي، فَلِذَلِكَ ظَنَنْتُمْ أَنَّ مُوجِبَ مُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ لَهُمْ دُونَكُمْ هُوَ أَنَّهُمْ عَلَّمُوكُمُ الضَّلَالَ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ حَقَّ الْعِلْمِ لَاطَّلَعْتُمْ عَلَى مَا كَانَ لِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُمْ مِنَ الْأَثَرِ فِي إِغْرَائِهِمْ بِالِازْدِيَادِ مِنَ الْإِضْلَالِ. وَمَفْعُولُ تَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَعْلَمُونَ سَبَبَ تَضْعِيفِ الْعَذَابِ لِكُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، يَعْنِي لَا تَعْلَمُونَ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ لَكُمْ لِظُهُورِ أَنَّهُمْ عَلِمُوا سَبَبَ تَضْعِيفِهِ لِلَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا تَعْلَمُونَ- بِتَاءِ الْخِطَابِ- عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَا خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ الْأُمَّةَ الْأُخْرَى، وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ- بِيَاءِ الْغَيْبَةِ- فَيَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute