وَوَقَعَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِدَفْعِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَحَاوِرَتَيْنِ فِي النَّارِ، وَاخْتِيرَ مِنْ طُرُقِ الْإِظْهَارِ طَرِيقُ التَّعْرِيفِ بِالْمَوْصُولِ إِيذَانًا بِمَا تومىء إِلَيْهِ الصِّلَةُ مِنْ وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ، أَيْ: إِنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاسْتِكْبَارِهِمْ عَنْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهَا السَّابِقِ آنِفًا.
وَالسَّمَاءُ أُطْلِقَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَعَانٍ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْعَوَالِمُ الْعُلْيَا غَيْرُ
الْأَرْضِيَّةِ، فَالسَّمَاءُ مَجْمُوعُ الْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَهِيَ مَرَاتِبُ وَفِيهَا عَوَالِمُ الْقُدْسِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحَانِيَّاتِ الصَّالِحَةِ النَّافِعَةِ، وَمَصْدَرُ إِفَاضَةِ الْخَيْرَاتِ الرُّوحِيَّةِ وَالْجُثْمَانِيَّةِ عَلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ، وَمَصْدَرُ الْمَقَادِيرِ الْمُقَدَّرَةِ قَالَ تَعَالَى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ [الذاريات: ٢٢] ، فَالسَّمَاءُ هَنَا مُرَادٌ بِهَا عَالَمُ الْقُدْسِ.
وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ أَسْبَابُ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأَبْوَابِ لِتَقْرِيبِ حَقَائِقِهَا إِلَى الْأَذْهَانِ فَمِنْهَا قَبُولُ الْأَعْمَالِ، وَمَسَالِكُ وُصُولِ الْأُمُورِ الْخَيْرِيَّةِ الصَّادِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَطُرُقِ قَبُولِهَا، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِأَسْبَابِ التَّزْكِيَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:
١٠] ، وَمَا يَعْلَمُ حَقَائِقَهَا بِالتَّفْصِيلِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ عَنَّا، فَكَمَا أَنَّ الْعُفَاةَ وَالشُّفَعَاءَ إِذَا وَرَدُوا الْمَكَانَ قَدْ يُقْبَلُونَ وَيُرْضَى عَنْهُمْ فَتُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْقُصُورِ وَالْقِبَابِ وَيَدْخُلُونَ مُكَرَّمِينَ، وَقَدْ يُرَدُّونَ وَيُسْخَطُونَ فَتُوصَدُ فِي وُجُوهِهِمُ الْأَبْوَابُ، مَثَّلَ إِقْصَاءَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَعَدَمَ الرِّضَا عَنْهُمْ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، بِحَالِ مَنْ لَا تُفَتَّحُ لَهُ أَبْوَابُ الْمَنَازِلِ، وَأُضِيفَتِ الْأَبْوَابُ إِلَى السَّمَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِحِرْمَانِهِمْ مِنْ وَسَائِلِ الْخَيْرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ عَدَمَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَعَدَمَ قَبُولِ الْأَعْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ، وَحِرْمَانَ أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ مُشَاهَدَةَ مَنَاظِرِ الْجَنَّةِ وَمَقَاعِدِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا، فَقَوله: لَا نفتح لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعْنَى الْحِرْمَانِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَحْضَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ نِعَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute