(٤٣)
اتِسَاقُ النَّظْمِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: ٤٢] ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ: وَنَزَعْنا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ:
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْأَعْرَاف: ٤٢] ، وَجُمْلَةُ: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَخْ، اعْتِرَاضًا بُيِّنَ بِهِ حَالُ نُفُوسِهِمْ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي الْجَنَّةِ، لِيُقَابِلَ الِاعْتِرَاضَ الَّذِي أُدْمِجَ فِي
أَثْنَاءِ وَصْفِ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ، وَالْمُبِيَّنُ بِهِ حَالُ نُفُوسِهِمْ فِي الْمُعَامَلَةِ بِقَوْلِهِ: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الْأَعْرَاف: ٣٨] .
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، أَيْ: وَنَنْزِعُ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، وَهُوَ تَعْبِيرٌ مَعْرُوفٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] .
وَالنَّزْعُ حَقِيقَتُهُ قَلْعُ الشَّيْءِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ فِي آلِ عِمْرَانَ [٢٦] ، وَنَزْعُ الْغِلِّ مِنْ قُلُوبِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: هُوَ إِزَالَةُ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْغِلِّ عِنْدَ تَلَقِّي مَا يَسُوءُ مِنَ الْغَيْرِ، بِحَيْثُ طَهَّرَ اللَّهُ نُفُوسَهُمْ فِي حَيَاتِهَا الثَّانِيَةِ عَنِ الِانْفِعَالِ بِالْخَوَاطِرِ الشَّرِّيَّةِ الَّتِي مِنْهَا الْغِلُّ، فَزَالَ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ غِلِّ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا، أَيْ أَزَالَ مَا كَانَ حَاصِلًا مِنْ غِلٍّ وَأَزَالَ طِبَاعَ الْغِلِّ الَّتِي فِي النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَخْطُرُ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَالْغِلُّ: الْحِقْدُ وَالْإِحْنَةُ وَالضِّغْنُ، الَّتِي تَحْصُلُ فِي النَّفْسِ عِنْدَ إِدْرَاك مَا يسوؤها مِنْ عَمَلِ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ الْحَسَدُ مِنَ الْغِلِّ بَلْ هُوَ إِحْسَاسٌ بَاطِنِيٌّ آخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute