يُذْكَرُ مَعَ الْمَفْعُولِ حَالُهُ، فَقَوْلُهُ: وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا مَعْنَاهُ أَلْفَيْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ حَقًّا لَا تَخَلُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ: وَجَدْنا عَلَى سَبْقِ بَحَثٍ أَوْ تَطَلُّبٍ لِلْمُطَابَقَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْوُجْدَانُ فِي الْإِدْرَاكِ وَالظَّنِّ مَجَازًا، وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ.
وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ فِي قَوْلِهِ: مَا وَعَدَنا رَبُّنا- وَمَا وَعَدَ رَبُّكُمْ وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، عَلَى تَفَاوُتٍ فِي الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، فَقَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَعِيمٍ عَظِيمٍ، وَتَوَعَّدَ الْكَافِرِينَ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، سَمِعَ بَعْضُهُمْ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ إِجْمَالَهَا: مُبَاشَرَةً أَوْ بِالتَّنَاقُلِ عَنْ إِخْوَانِهِمْ، فَكَانَ لِلْمَوْصُولِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا إِيجَازٌ بَدِيعٌ، وَالْجَوَابُ بنعم تَحْقِيق للمسؤول عَنْهُ بِهَلْ: لِأَنَّ السُّؤَالَ بِهَلْ يَتَضَمَّنُ تَرْجِيحَ السَّائِلِ وُقُوعَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، فَهُوَ جَوَابُ الْمُقِرِّ الْمُتَحَسِّرِ الْمُعْتَرِفِ، وَقَدْ جَاءَ الْجَوَابُ صَالِحًا لِظَاهِرِ السُّؤَالِ وَخَفِيِّهِ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْجَوَابِ بِهَا تَحْقِيقُ مَا أُرِيدَ بِالسُّؤَالِ مِنَ الْمَعَانِي حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، إِذْ لَيْسَتْ نَعَمْ خَاصَّةً بِتَحْقِيقِ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ.
وَحَذْفُ مَفْعُولِ (وَعَدَ) الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَازِ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: مَا وَعَدَنا رَبُّنا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ السُّؤَالِ سُؤَالُهُمْ عَمَّا يَخُصُّهُمْ. فَالتَّقْدِيرُ:
فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ لِأَنَّ الْوَعْدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وَدَلَّتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ عَلَى أَنَّ التَّأْذِينَ مُسَبَّبٌ عَلَى الْمُحَاوَرَةِ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ سُؤَالِ أَهْلِ النَّارِ مِنْ إِظْهَارِ غَلَطِهِمْ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ.
وَالتَّأْذِينُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ رَفْعًا يُسْمِعُ الْبَعِيدَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُذُنِ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ- جَارِحَةِ السَّمْعِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهَذَا التَّأْذِينُ إِخْبَارٌ بِاللَّعْنِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ عَنِ الْخَيْرِ، أَيْ إِعْلَامٌ بِأَنَّ أَهْلَ النَّارِ مُبْعَدُونَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute