التَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا. وَجُعِلَ الْحِجَابُ فَصْلًا بَيْنَهُمَا. وَتَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ تُعَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَوْ أُرِيدَ مِنَ الضَّمِيرِ فَرِيقَا أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، لَقَالَ: بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ [١٣] فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الْآيَةَ.
وَالْحِجَابُ: سُورٌ ضُرِبَ فَاصِلًا بَيْنَ مَكَانِ الْجَنَّةِ وَمَكَانِ جَهَنَّمَ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْقُرْآنُ سُورًا فِي قَوْلِهِ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ [١٣] ، وَسُمِّيَ السُّورُ حِجَابًا لِأَنَّهُ يُقْصَدُ مِنْهُ الْحَجْبُ وَالْمَنْعُ كَمَا سُمِّيَ سُورًا بِاعْتِبَارِ الْإِحَاطَةِ.
وَالْأَعْرَافُ: جَمْعُ عُرْفٍ- بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُضَمُّ الرَّاءُ أَيْضًا- وَهُوَ أَعْلَى الشَّيْءِ وَمِنْهُ سُمِّيَ عُرْفُ الْفَرَسِ، الشَّعْرُ الَّذِي فِي أَعْلَى رَقَبَتِهِ، وَسُمِّيَ عُرْفُ الدِّيكِ.
الرِّيشُ الَّذِي فِي أَعْلَى رَأْسِهِ.
وَ (أَلْ) فِي الْأَعْرافِ لِلْعَهْدِ. وَهِيَ الْأَعْرَافُ الْمَعْهُودَةُ الَّتِي تَكُونُ بَارِزَةً فِي أَعَالِي السُّورِ. لِيَرْقُبَ مِنْهَا النَّظَّارَةُ حَرَكَاتِ الْعَدِّ وَلِيَشْعُرُوا بِهِ إِذَا دَاهَمَهُمْ. وَلَمْ يَسْبِقْ ذِكْرٌ لِلْأَعْرَافِ هُنَا حَتَّى تُعَرَّفَ بِلَامِ الْعَهْدِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا مَا يَعْهَدُهُ النَّاسُ فِي الْأَسْوَارِ. أَوْ يَجْعَلُ (أَلْ) عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ: أَيْ وَعَلَى أَعْرَافِ السُّورِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي نَظَائِرِ هَذَا التَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: ٤١] وَأَيًّا مَا كَانَ فَنَظْمُ الْآيَةِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْأَعْرَافِ مَكَانًا مَخْصُوصًا يَتَعَرَّفُ مِنْهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، إِذْ لَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِتَعْرِيفِهِ مَعَ عَدَمِ سَبْقِ الْحَدِيثِ عَنْهُ.
وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِتَصْحِيحِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ، إِذِ اقْتَضَى الْمَقَامُ الْحَدِيثَ عَنْ رِجَالٍ مَجْهُولِينَ يَكُونُونَ عَلَى أَعْرَافِ هَذَا الْحِجَابِ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَشْهَدُونَ هُنَالِكَ أَحْوَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَحْوَالَ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْرِفُونَ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ وَعْدَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، وَلَيْسَ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ بِمُقْتَضٍ أَنْ لَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَعْرَافِ نِسَاءٌ، وَلَا اخْتِصَاصُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الْمُتَحَدَّثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute