للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ تَقْرِيعُ الْمُشْرِكِينَ وتفنيد إشراكهم، ويتبعه تَذْكِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِثَارَةُ اعْتِبَارِهِمْ، لِأَنَّ الْمَوْصُولَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ مَعْلُومَةُ الِانْتِسَابِ لِلْمَوْصُولِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ لِلرِّيَاحِ مُصَرِّفًا وَأَنَّ لِلْمَطَرِ مُنَزِّلًا، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَذْهَلُونَ أَوْ يَتَذَاهَلُونَ عَنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ الْفَاعِلِ، وَلِذَلِكَ يَجِيئُونَ فِي الْكَلَامِ بِأَفْعَالِ نُزُولِ الْمَطَرِ مَبْنِيَّةً إِلَى الْمَجْهُولِ غَالِبًا، فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الثُّرَيَّا- وَيَقُولُونَ: غِثْنَا مَا شِئْنَا. مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ أَيْ أَغِثْنَا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ فَاعِلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ هُوَ اللَّهُ، وَذَلِكَ بِإِسْنَادِ هَذَا الْمَوْصُولِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ أَيِ الَّذِي عَلِمْتُمْ أَنَّهُ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ وَيُنَزِّلُ الْمَاءَ، هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَقَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [الْبَقَرَة: ١٦] ، فَالْخَبَرُ مُسَوِّقٌ لِتَعْيِينِ صَاحِبِ هَذِهِ الصِّلَةِ. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ عَنِ اسْتِفْهَامٍ مَقْصُودٌ مِنْهُ طَلَبُ التَّعْيِينِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: أَرَاحِلٌ أَنْتَ أَمْ ثَاوٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَصْرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَدَّ اعْتِقَادٍ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا كَمَنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ إِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَرُوعِيَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ حَالُهُمُ ابْتِدَاءً، وَيَحْصُلُ رَعْيُ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا، لِأَنَّ السِّيَاقَ مُنَاسِبٌ لِمُخَاطَبَةِ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا تقدّم فِي الْآيَة السَّابِقَةِ.

وحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَهِيَ غَايَةٌ لمضمون قَوْله: بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى مُتَقَدِّمَةً رَحْمَتَهُ، أَيْ تَتَقَدَّمُهَا مُدَّةً وَتَنْشُرُ أَسْحِبَتَهَا حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا أَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ، فَإِنْزَالُ الْمَاءِ هُوَ غَايَةُ تَقَدُّمِ الرِّيَاحِ وَسَبْقِهَا الْمَطَرَ، وَكَانَتِ الْغَايَةُ مُجَزَّأَةً أَجْزَاءً فَأَوَّلُهَا مَضْمُونُ قَوْلِهِ: أَقَلَّتْ أَيِ الرِّيَاحُ السَّحَابَ، ثُمَّ مَضْمُونُ قَوْلِهِ: ثِقالًا، ثُمَّ مَضْمُونُ سُقْناهُ أَيْ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ غَيْثَهُ، ثُمَّ أَنْ يَنْزِلَ مِنْهُ الْمَاءُ. وَكُلُّ ذَلِكَ غَايَةٌ لِتَقَدُّمِ

الرِّيَاحِ، لِأَنَّ الْمُفَرَّعَ عَنِ الْغَايَةِ هُوَ غَايَةٌ.

الثِّقَالَ: الْبَطِيئَةُ التَّنَقُّلِ لِمَا فِيهَا مِنْ رُطُوبَةِ الْمَاءِ، وَهُوَ الْبُخَارُ، وَهُوَ السَّحَابُ الْمَرْجُوُّ مِنْهُ الْمَطَرُ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَعَانِي أَبِي الطَّيِّبِ قَوْلُهُ فِي: «حُسْنِ الِاعْتِذَارِ» :