للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَنْظِيرُ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا بِحَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي تَكْذِيبِهِمْ رِسَالَة محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَثُرَ فِي الْكَلَامِ اقْتِرَانُ جُمْلَةِ جَوَابِ الْقسم: بقد لأنّ الْقسم يهيىء نَفْسَ السَّامِعِ

لِتَوَقُّعِ خَبَرٍ مُهِمٍّ فَيُؤْتَى بِقَدْ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِ أَمْرٍ مُتَوَقَّعٍ، كَمَا أَثْبَتَهُ الْخَلِيلُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ، وَالتَّوَقُّعُ قَدْ يَكُونُ تَوَقُّعًا لِلْمُخْبَرِ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ تَوَقُّعًا لِلْخَبَرِ كَمَا هُنَا.

وَتَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِنُوحٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٣٣] . وَكَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَسْكُنُونَ الْجَزِيرَةَ وَالْعِرَاقَ، حَسَبَ ظَنِّ الْمُؤَرِّخِينَ. وَعَبَّرَ عَنْهُمُ الْقُرْآنُ بِطَرِيقِ الْقَوْمِيَّةِ الْمُضَافَةِ إِلَى نُوحٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَسْمَاءِ الْأُمَمِ يُعْرَفُونَ بِهِ، فَالتَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ هُنَا لِأَنَّهَا أَخْصَرُ طَرِيقٍ.

وَعَطَفَ جُمْلَةَ فَقالَ يَا قَوْمِ عَلَى جُمْلَةِ أَرْسَلْنا بِالْفَاءِ إِشْعَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ صَدَرَ مِنْهُ بِفَوْرِ إِرْسَالِهِ، فَهِيَ مَضْمُونُ مَا أُرْسِلَ بِهِ.

وَخَاطَبَ نُوحٌ قَوْمَهُ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَامَّةً لَهُمْ، وَعَبَّرَ فِي نِدَائِهِمْ بِوَصْفِ الْقَوْمِ لِتَذْكِيرِهِمْ بِآصِرَةِ الْقَرَابَةِ، لِيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُ نَاصِحٌ وَمُرِيدٌ خَيْرَهُمْ وَمُشْفِقٌ عَلَيْهِمْ، وَأَضَافَ (الْقَوْمَ) إِلَى ضَمِيرِهِ لِلتَّحْبِيبِ وَالتَّرْقِيقِ لِاسْتِجْلَابِ اهْتِدَائِهِمْ.

وَقَوْلُهُ لَهُمُ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِبْطَالٌ لِلْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةُ شِرْكٍ كَحَالَةِ الْعَرَبِ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةَ وَثَنِيَّةٍ بِاقْتِصَارِهِمْ على عبَادَة لأصنام دُونَ اللَّهِ تَعَالَى، كَحَالَةِ الصَّابِئَةِ وَقُدَمَاءِ الْيُونَانِ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ صَالِحَةٌ لِلْحَالَيْنِ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْقَصَصِ: أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ آلِهَةَ قَوْمِ نُوحٍ أَسْمَاءُ جَمَاعَةٍ مِنْ صَالِحِيهِمْ فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ