وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ بِالْحِجْرِ- بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ- بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُسَمَّى الْآنَ مَدَائِنُ صَالِحٍ وَسُمِّي فِي حَدِيثِ غَزْوَةِ تَبُوكٍ: حَجْرَ ثَمُودٍ.
وَصَالِحٌ هُوَ ابْنُ عَبِيلٍ- بِلَامٍ فِي آخِرِهِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ- ابْنِ آسِفَ بْنِ مَاشِجَ أَوْ شالِخَ بْنِ
عَبِيلِ بْنِ جَاثِرَ- وَيُقَالُ كَاثِرَ- ابْنِ ثَمُودَ. وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ اخْتِلَافٌ فِي حُرُوفِهَا فِي كُتُبِ التَّارِيخِ وَغَيْرِهَا أَحْسَبُهُ مِنَ التَّحْرِيفِ وَهِيَ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ سِوَى عَبِيلٍ فَإِنَّهُ مَضْبُوطٌ فِي سَمِيِّهِ الَّذِي هُوَ جَدُّ قَبِيلَةٍ، كَمَا فِي «الْقَامُوسِ» .
وَثَمُودُ هُنَا مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَبِيلَةُ لَا جَدُّهَا. وَأَسْمَاءُ الْقَبَائِلِ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّرْفِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّأْنِيثِ مَعَ الْعَلَمِيَّةِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ مَصْرُوفًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ [هود: ٦٨] عَلَى اعْتِبَارِ الْحَيِّ فَيَنْتَفِي مُوجِبُ مَنْعِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الِاسْمَ عَرَبِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمُودَ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي آيَاتِ سُورَةِ هُودٍ وَغَيْرِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ الَّتِي عَبَدَتْهَا عَادٌ لِأَنَّ ثَمُودَ وَعَادًا أَبْنَاءُ نَسَبٍ وَاحِدٍ، فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ عَقَائِدُهُمْ مُتَمَاثِلَةٌ. وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ ثَمُودَ قَامَتْ بَعْدَ عَادٍ فَنَمَتْ وَعَظُمَتْ وَاتَّسَعَتْ حَضَارَتُهَا، وَكَانُوا مُوَحِّدِينَ، وَلَعَلَّهُمُ اتَّعَظُوا بِمَا حَلَّ بِعَادٍ، ثُمَّ طَالَتْ مُدَّتُهُمْ وَنَعِمْ عَيْشُهُمْ فَعَتَوْا وَنَسُوا نِعْمَةَ اللَّهِ وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحًا رَسُولًا يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ فَلَمْ يَتْبَعْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ مُسْتَضْعَفُونَ، وَعَصَاهُ سَادَتُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ، وَذَكَرَ فِي آيَةِ سُورَةِ هُودٍ أَنَّ قَوْمَهُ لَمْ يُغْلِظُوا لَهُ الْقَوْلَ كَمَا أَغْلَظَتْ قَوْمُ نُوحٍ وَقَوْمُ هُودٍ لِرَسُولِهِمْ، فَقَدْ: قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [هود: ٦٢] . وَتَدُلُّ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَمَا فُسِّرَتْ بِهِ مِنَ الْقَصَصِ عَلَى أَنَّ صَالِحًا أَجَلَّهُمْ مُدَّةً لِلتَّأَمُّلِ وَجَعَلَ النَّاقَةَ لَهُمْ آيَةً، وَأَنَّهُمْ تَارِكُوهَا وَلَمْ يُهَيِّجُوهَا زَمَنًا طَوِيلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute