وَالْبَيِّنَةُ: الْحُجَّةُ عَلَى صِدْقِ الدَّعْوَى، فَهِيَ تَرَادُفُ الْآيَةَ، وَقَدْ عُبِّرَ بِهَا عَنِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةُ: ١] .
وهذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّاقَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً لِصِدْقِ صَالِحٍ وَلَمَّا كَانَتِ النَّاقَةُ هِيَ الْبَيِّنَةُ كَانَتْ جُمْلَةُ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً مُنَزَّلَةً مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ عَطْفِ الْبَيَانِ.
وَقَوْلُهُ: آيَةً حَالٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَاقْتِرَانُهُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ يُقَوِّي شَبَهَهُ بِالْفِعْلِ، فَلِذَلِكَ يَكُونُ عَامِلًا فِي الْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٥٨] ، وَسَنَذْكُرُ قِصَّةً فِي هَذَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٢] .
وَأُكِّدَتْ جُمْلَةُ: قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ، وَزَادَتْ عَلَى التَّأْكِيدِ إِفَادَةُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ لَكُمْ مِنَ التَّخْصِيصِ وَتَثْبِيتِ أَنَّهَا آيَةٌ، وَذَلِكَ مَعْنَى اللَّامِ، أَيْ هِيَ آيَةٌ مُقْنِعَةٌ لَكُمْ وَمَجْعُولَةٌ لِأَجْلِكُمْ.
فَقَوْلُهُ: لَكُمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ آيَةً، وَأَصْلُهُ صِفَةٌ فَلَمَّا قُدِّمَ عَلَى مَوْصُوفِهِ صَارَ حَالًا، وَتَقْدِيمُهُ لِلِاهْتِمَامِ بِأَنَّهَا كَافِيَةٌ لَهُمْ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنْ عِنَادٍ.
وَإِضَافَةُ نَاقَةٍ إِلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَشْرِيفٌ لَهَا لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهَا بِسُوءٍ، وَعَظَّمَ حُرْمَتَهَا، كَمَا يُقَالُ: الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ، أَوْ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ بِكَيْفِيَّةٍ خَارِقَةٍ لِلْعَادَةِ، فَلِانْتِفَاءِ مَا الشَّأْنُ أَنْ تُضَافَ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ وُجُودِ أَمْثَالِهَا أُضِيفَتْ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ كَمَا قِيلَ: عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَلِمَةُ اللَّهِ.
وَأَمَّا إِضَافَةُ أَرْضِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ لِلنَّاقَةِ حَقًّا فِي الْأَكْلِ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَتِلْكَ النَّاقَةُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَلَهَا الْحَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute