للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَوْمُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُمْ أَهْلُ قَرْيَةِ (سَدُومَ) وَ (عَمُورَةَ) مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ اسْمُ سَدُومَ وعمّورة على سكّانهما. وَهُوَ أَسْلَافُ الْفَنِيقِيِّينَ وكانتا على شاطىء السَّدِيمِ، وَهُوَ بَحْرُ الْمِلْحِ، كَمَا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ (١) وَهُوَ الْبَحْرُ الْمَيِّتُ الْمَدْعُوُّ (بُحَيْرَةُ لُوطٍ) بِقُرْبِ أُرْشَلِيمَ. وَكَانَتْ قُرْبَ سَدُومَ وَمَنْ مَعَهُمْ أَحْدَثُوا فَاحِشَةَ اسْتِمْتَاعُ الرِّجَالِ بِالرِّجَالِ، فَأَمَرَ اللَّهُ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَزَلَ بِقَرْيَتِهِمْ سَدُومَ فِي رِحْلَتِهِ مَعَ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَنْهَاهُمْ وَيُغْلِظَ عَلَيْهِمْ.

فَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَتَأْتُونَ إِنْكَارِيٌّ تَوْبِيخِيٌّ، وَالْإِتْيَانُ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ مَجَازٌ فِي التَّلَبُّسِ وَالْعَمَلِ، أَيْ أَتَعْمَلُونَ الْفَاحِشَةَ، وَكُنِّيَ بِالْإِتْيَانِ عَلَى الْعَمَلِ الْمَخْصُوصِ وَهِيَ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ.

وَالْفَاحِشَةُ: الْفِعْلُ الدَّنِيءُ الذَّمِيمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً [الْأَعْرَاف: ٢٨] : وَالْمُرَادُ هُنَا فَاحِشَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ.

وَجُمْلَةُ: مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ مستأنفة استينافا ابْتِدَائِيًّا، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ إِتْيَانَ الْفَاحِشَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْفَاحِشَةِ، وَبَّخَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَحْدَثُوهَا، وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً فِي الْبَشَرِ فَقَدْ سَنُّوا سُنَّةً سَيِّئَةً لِلْفَاحِشِينَ فِي ذَلِكَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ صِفَةً لِلْفَاحِشَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ: تَأْتُونَ أَوْ مِنَ: الْفاحِشَةَ.

السَّبق حَقِيقَتُهُ: وُصُولُ الْمَاشِي إِلَى مَكَانٍ مَطْلُوبٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَبْلَ وُصُولِ غَيْرِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي التَّقَدُّمِ فِي الزَّمَانِ، أَيِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالِابْتِدَاءِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّاسَ بِهَذِهِ الْفَاحِشَةِ إِذْ لَا يَقْصِدُ بِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّهُمُ ابْتَدَأُوا مَعَ غَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.


(١) الْإِصْلَاح ١٤ من سفر التّكوين ٢٠