للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آيَةٍ أُخْرَى، فِي الْقُرْآنِ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَالِيَ تِلْكَ الْقُرَى سَافِلًا، وَذَلِكَ هُوَ الْخَسْفُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الزَّلَازِلِ. وَمِنَ الْمُسْتَقْرَبِ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ الْمَيِّتُ هُنَالِكَ قَدْ طَغَى عَلَى هَذِهِ الْآبَارِ أَوِ الْبَرَاكِينِ مِنْ آثَارِ الزِّلْزَالِ.

وَتَنْكِيرُ: مَطَراً لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّعْجِيبِ أَيْ: مَطَرًا عَجِيبًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُهْلِكَ الْقُرَى.

وَتَفَرَّعَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ الْأَمْرُ بِالنَّظَرِ فِي عَاقِبَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ فَالْأَمْرُ لِلْإِرْشَادِ وَالِاعْتِبَارِ. وَالْخِطَابُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بَلْ لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الِاعْتِبَارُ، كَمَا هُوَ شَأْنُ إِيرَادِ التَّذْيِيلِ بِالِاعْتِبَارِ عَقِبَ الْمَوْعِظَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخِطَابِ كُلُّ مَنْ قُصِدَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخطاب للنّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيَةً لَهُ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ، وَأَنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ انْتِظَارَ الْعَوَاقِبِ.

وَالْمُجْرِمُونَ فَاعِلُوا الْجَرِيمَةِ، وَهِيَ الْمَعْصِيَةُ وَالسَّيِّئَةُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ بِذَلِكَ الْعِقَابِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ، وَأَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُرْسِلَ لَهُمْ لِنَهْيِهِمْ عَنْهَا، لَا لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، إِذْ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا قُصَّ عَنِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى، لَكِنَّ تَمَالُئَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِحْلَالِهِمْ إِيَّاهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَبِذَلِكَ يُؤْذِنُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ [١٠] : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، فَيَكُونُ إِرْسَالُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنْكَارِ تِلْكَ الْفَاحِشَةِ ابْتِدَاءً بِتَطْهِيرِ نُفُوسِهِمْ، ثُمَّ يَصِفُ لَهُمُ الْإِيمَانَ، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلَّغَهُمُ الرِّسَالَةَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، إِلَّا أَنَّ اهْتِمَامَهُ الْأَوَّلَ كَانَ بِإِبْطَالِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ فِي إِنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ وَمُجَادَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى مَا يَخُصُّ تِلْكَ الْفَاحِشَةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ

اللَّهَ أَصَابَهُمْ بِالْعَذَابِ عُقُوبَةً، عَلَى تِلْكَ الْفَاحِشَةِ، كَمَا قَالَ فِي