الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُؤَرِّخِينَ، فَمَا وَجَدْتَ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا فَانْبِذْهُ. وَعَدَّ الصَّفَدِيُّ شُعَيْبًا فِي الْعُمْيَانِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَقَدِ ابْتَدَأَ الدَّعْوَةَ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ بِهِ صَلَاحَ الِاعْتِقَادِ وَالْقَلْبِ، وَإِزَالَةَ الزَّيْفِ مِنَ الْعَقْلِ.
وَبَيِّنَةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي جَاءَتْ فِي كَلَامِهِ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُطْلِقَتْ عَلَى الْآيَةِ لِمُعْجِزَةٍ أَظْهَرَهَا لِقَوْمِهِ عَرَفُوهَا وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقُرْآنُ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ حُجَّةً أَقَامَهَا عَلَى بُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَسُوءِ الْفِعْلِ، وَعَجَزُوا عَنْ مُجَادَلَتِهِ فِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ مِثْلُ الْمُجَادَلَةِ الَّتِي حُكِيَتْ فِي سُورَةِ هُودٍ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُبَيِّنُ صِدْقَ الدَّعْوَى، لَا عَلَى خُصُوصِ خَارِقِ الْعَادَةِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْبَيِّنَةِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا أَيْ يَكُونُ أَنْذَرَهُمْ بِعَذَابٍ يَحُلُّ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشُّعَرَاء: ١٨٧] فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: قَدْ جاءَتْكُمْ مُرَادًا بِهِ الْمُسْتَقْبَلُ الْقَرِيبُ، تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ آيَةً، أَيْ مُعْجِزَةً لِيُؤْمِنُوا، فَلَمْ يَسْأَلُوهَا وَبَادَرُوا بِالتَّكْذِيبِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى مِثْلَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها [الْأَعْرَاف: ١٠٥، ١٠٦] الْآيَةَ، فَيَكُونُ مَعْنَى: قَدْ جاءَتْكُمْ قَدْ أُعِدَّتْ لِأَنْ تَجِيئَكُمْ إِذَا كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ عِنْدَ مَجِيئِهَا.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَضْمُونِ مَعْنَى بَيِّنَةٌ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَلَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِهِ وَكَانَ قَدْ أَمرهم بالتّوحيد بادىء بَدْءٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ الْقَلْبِ، شَرَعَ يَأْمُرُهُمْ بِالشَّرَائِعِ مِنَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَتِلْكَ دَعْوَةٌ لِمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِ بِأَنْ يُكْمِلُوا إِيمَانَهُمْ بِالْتِزَامِ الشَّرَائِعِ الْفَرْعِيَّةِ، وَإِبْلَاغٌ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. وَفِي دَعْوَةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَهُ إِلَى الْأَعْمَالِ الْفَرْعِيَّةِ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّتِ الدَّعْوَةُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute