للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَالَةِ الصَّلَاحِ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ هَذَا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ [٥٦] .

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمْ إِلَى مَجْمُوعِ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ، وَلِذَا أُفْرِدَ اسْمُ الْإِشَارَةِ. وَالْمَذْكُورُ: هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَإِيفَاءُ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ، وَتَجَنُّبِ بَخْسِ أَشْيَاءِ النَّاسِ، وَتَجَنُّبِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ، أَيْ نَفْعٌ وَصَلَاحٌ تَنْتَظِمُ بِهِ أُمُورُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ [الْحَج: ٣٦] . وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذُكِرَ خَيْرًا: لِأَنَّهُ يُوجِبُ هَنَاءَ الْعَيْشِ وَاسْتِقْرَارَ الْأَمْنِ وَصَفَاءَ الْوُدِّ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَزَوَالَ الْإِحَنِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْخُصُومَاتِ وَالْمُقَاتَلَاتِ، فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ كَثُرَتِ الْأُمَّةُ وَعَزَّتْ وَهَابَهَا أَعْدَاؤُهَا وَحَسُنَتْ أُحْدُوثَتُهَا وَكَثُرَ مَالُهَا بِسَبَبِ رَغْبَةِ

النَّاسِ فِي التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ لِأَمْنِ صَاحِبِ الْمَالِ مِنِ ابْتِزَازِ مَالِهِ. وَفِيهِ خَيْرُ الْآخِرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ فَعَلُوهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ رَسُوله أكسبهم رضى اللَّهِ، فَنَجَوْا مِنَ الْعَذَابِ، وَسَكَنُوا دَارَ الثَّوَابِ، فَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ: خَيْرٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْكَمَالِ لِأَنَّهُ جَامِعُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شَرْطٌ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ لَقَبٌ لِلْمُتَّصِفِينَ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُ الشَّرَائِعِ وَحَمْلُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُصَدِّقِينَ لِقَوْلِهِ، وَنُصْحِهِ، وَأَمَانَتِهِ: حَمْلٌ عَلَى مَا يَأْبَاهُ السِّيَاقُ، بَلِ الْمَعْنَى، أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فَهُوَ رُجُوعٌ إِلَى الدَّعْوَةِ لِلتَّوْحِيدِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ فِي كَلَامِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حُصُولَ الْخَيْرِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوهَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا الْخَيْرُ لِأَنَّ مَفَاسِدَ الشِّرْكِ تُفْسِدُ مَا فِي الْأَفْعَالِ مِنَ الْخَيْرِ، أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ الشِّرْكَ يَدْعُو إِلَى أَضْدَادِ تِلْكَ الْفَضَائِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: ١٠١]