وَجُمْلَةُ: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ مُفْرَدٍ، هُوَ فَاعل يَهْدِ، ف (إِن) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ التَّأْكِيدِ وَالْمَصْدَرِيَّةِ وَاسْمُهَا فِي حَالَةِ التَّخْفِيفِ، ضَمِيرُ شَأْنٍ مُقَدَّرٌ، وَجُمْلَةُ شَرْطِ (لَوْ) وَجَوَابِهِ خَبَرُ (أَنْ) .
وَ (لَوْ) حَرْفُ شَرْطٍ يُفِيدُ تَعْلِيقَ امْتِنَاعِ حُصُولِ جَوَابِهِ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ حُصُولِ شَرْطِهِ: فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذْ قَدْ كَانَ فِعْلُ الشَّرْطِ هُنَا مُضَارِعًا كَانَ فِي مَعْنَى الْمَاضِي، إِذْ لَا يَجُوزُ اخْتِلَافُ زَمَنَيْ فِعْلَيِ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ، وَإِنَّمَا يُخَالَفُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَةِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ كَرَاهِيَةَ تَكْرِيرِ الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، فَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ: لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ انْتَفَى أَخْذُنَا إِيَّاهُمْ فِي الْمَاضِي بِذُنُوبِ تَكْذِيبِهِمْ، لِأَجْلِ انْتِفَاءِ مَشِيئَتِنَا ذَلِكَ لِحِكْمَةِ إِمْهَالِهِمْ لَا لِكَوْنِهِمْ أَعَزَّ مِنَ الْأُمَمِ الْبَائِدَةِ أَوْ أَفْضَلَ حَالًا مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ [غَافِر: ٢١] الْآيَةَ، وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ يُصِيبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِذْ لَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ غَالِبٌ، وَالْمَعْنَى: أَغَرَّهُمْ تَأَخُّرُ الْعَذَابِ مَعَ تَكْذِيبِهِمْ فَحَسِبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي مَنَعَةٍ مِنْهُ، وَلَمْ
يَهْتَدُوا إِلَى أَنَّ انْتِفَاءَ نُزُولِهِ بِهِمْ مُعَلَّقٌ عَلَى انْتِفَاءِ مَشِيئَتِنَا وُقُوعه لحكمة، فَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَذَابِ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ أَخْذَهُمْ، وَالْمَصْدَرُ الَّذِي تُفِيدُهُ (أَنْ) الْمُخَفَّفَةُ، إِذَا كَانَ اسْمُهَا ضَمِيرَ شَأْنٍ، يُقَدِّرُ ثُبُوتًا مُتَصَيَّدًا مِمَّا فِي (أَنْ) وَخَبَرِهَا مِنَ النِّسْبَةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَهُوَ فَاعِلُ يَهْدِ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَة: أَو لم يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا ثُبُوتُ هَذَا الْخَبَرِ الْمُهِمِّ وَهُوَ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ.
وَالْمَعْنَى: أَعَجِبُوا كَيْفَ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ هُوَ بِمَحْضِ مَشِيئَتِنَا وَأَنَّهُ يحِق عَلَيْهِم عِنْد مَا نَشَاؤُهُ.
وَجُمْلَةُ: وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: أَصَبْناهُمْ حَتَّى تَكُونَ فِي حُكْمِ جَوَابِ (لَوْ) لِأَنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَرِثُوا الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا قَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلِذَلِكَ لَمْ تُجْدِ فِيهِمْ دَعْوَة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ بُعِثَ إِلَى زَمَنِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَلَوْ كَانَ جَوَابًا لِ (لَوْ) لَصَارَ الطَّبْعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute