وَإِظْهَارُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي جُمْلَةِ يَطْبَعُ اللَّهُ دُونَ الْإِضْمَارِ: لِمَا فِي إِسْنَادِ الطَّبْعِ إِلَى الِاسْمِ الْعَلَمِ مِنْ صَرَاحَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ طَبْعٌ رَهِيبٌ لَا يُغَادِرُ لِلْهُدَى مَنْفَذًا إِلَى قُلُوبِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [لُقْمَان: ١١] دُونَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا خَلْقِي، وَلِهَذَا اخْتِيرَ لَهُ الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الدَّالُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْخَتْمِ وَتَجَدُّدِهِ.
وَالْقُلُوبُ: الْعُقُولُ، وَالْقَلْبُ، فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: مِنْ أَسْمَاءِ الْعَقْلِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكافِرِينَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ: جَمِيعُ الْكَافِرِينَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَغَيْرِهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، تَسْلِيَة لمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَا لَقِيَهُ مِنْ قَوْمِهِ هُوَ سُنَّةُ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَلَا لِضَعْفِ آيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُ لِلْخَتْمِ عَلَى قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ.
وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ وَمَا رتب عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ تَنْبِيهًا عَلَى رُسُوخِ الْكُفْرِ مِنْ نُفُوسِهِمْ بِحَيْثُ لَمْ يَقْلَعْهُ مِنْهُمْ لَا مَا شَاهَدُوهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، وَلَا مَا وَضَعَهُ اللَّهُ فِي فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ اعْتِقَادِ وُجُودِ إِلَهٍ وَاحِدٍ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ الدَّاعِينَ إِلَيْهِ، وَلَا الْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ الرُّسُلَ عِنْدَ الدَّعْوَةِ: إِنَّهُمْ إِنْ أَتَوْهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ يُؤْمِنُونَ بِهَا.
وَالْوِجْدَانُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَجَازٌ فِي الْعِلْمِ، فَصَارَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَنَفْيُهُ فِي الْأَوَّلِ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، أَيْ وَفَائِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَعَلِمَهُ مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَعْلَمَهُ وَيَبْحَثَ عَنْهُ عِنْدَ طَلَبِ الْوَفَاءِ بِهِ، لَا سِيَّمَا وَالْمُتَكَلِّمُ هُوَ الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ كَقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً [الْأَنْعَام: ١٤٥] الْآيَةَ، أَيْ لَا مُحَرَّمَ إِلَّا مَا ذُكِرَ،
فَمَعْنَى وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ مَا لِأَكْثَرِهِمْ عَهْدٌ.
وَالْعَهْدُ: الِالْتِزَامُ وَالْوَعْدُ الْمُؤَكَّدُ وُقُوعُهُ، وَالْمُوَثَّقُ بِمَا يَمْنَعُ مِنْ إِخْلَافِهِ: مِنْ يَمِينٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ خَشْيَةِ مَسَبَّةٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ عَهِدَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى عَرَفَهُ، لِأَنَّ الْوَعْدَ الْمُؤَكَّدَ يَعْرِفُهُ مُلْتَزِمُهُ وَيَحْرِصُ أَنْ لَا يَنْسَاهُ.
وَيُسَمَّى إِيقَاعُ مَا الْتَزَمَهُ الْمُلْتَزِمُ مِنْ عَهْدِهِ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ، فَالْعَهْدُ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute