وَعَلَى الْقِرَاءَتَيْن فَالْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ بِ نَعَمْ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةٌ تَخْفِيفًا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَيْهَا أَيْضًا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ وَثِقُوا بِحُصُولِ الْأَجْرِ لَهُمْ، حَتَّى صَيَّرُوهُ فِي حَيِّزِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ، وَيَكُونُ جَوَابُ فِرْعَوْنَ بِ نَعَمْ تَقْرِيرًا لِمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنهُ.
وتنكير لَأَجْراً تنكير تَعْظِيمٍ بِقَرِينَةِ مَقَامِ الْمَلِكِ وَعِظَمِ الْعَمَلِ، وَضَمِيرُ نَحْنُ تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ كُنَّا إِشْعَارًا بِجَدَارَتِهِمْ بِالْغَلَبِ، وَثِقَتِهِمْ بِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالسِّحْرِ، فَأَكَّدُوا ضَمِيرَهُمْ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ مَدْلُولِهِ، وَلَيْسَ هُوَ بِضَمِيرِ فَصْلٍ إِذْ لَا يُقْصَدُ إِرَادَةُ الْقَصْرِ، لِأَنَّ إِخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْغَالِبِينَ يُغْنِي عَنِ الْقَصْرِ، إِذْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمَغْلُوبَ فِي زَعْمِهِمْ هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَوْلُ فِرْعَوْنَ نَعَمْ إِجَابَةً عَمَّا استفهموا، أَو تَقْرِير لِمَا تَوَسَّمُوا: عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ لَنا لَأَجْراً آنِفًا، فَحَرْفُ (نَعَمْ) يُقَرِّرُ مَضْمُونَ الْكَلَامِ الَّذِي يُجَابُ بِهِ، فَهُوَ تَصْدِيقٌ بَعْدَ الْخَبَرِ، وَإِعْلَامٌ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، بِحُصُولِ الْجَانِبِ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ،
وَالْمَعْنَيَانِ مُحْتَمَلَانِ هُنَا عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِمْ فَيَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الثَّانِي.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ: إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ حَرْفُ الْجَوَابِ إِذِ التَّقْدِيرُ: نَعَمْ لَكُمْ أَجْرٌ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ عَطْفِ التَّلْقِينِ: لِأَنَّ التَّلْقِينَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كَلَامَيْنِ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ لَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ.
وَفُصِلَتْ جُمْلَةُ: قالُوا يَا مُوسى لِوُقُوعِهَا فِي طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ وَمُوسَى، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَجْمَعِ.
وإِمَّا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى التَّرْدِيدِ بَيْنَ أَحَدِ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ، وَلَا عَمَلَ لَهُ وَلَا هُوَ مَعْمُولٌ، وَمَا بَعْدَهُ يَكُونُ مَعْمُولًا لِلْعَامِلِ الَّذِي فِي الْكَلَامِ. وَيَكُونُ (إِمَّا) بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ كَلِمَةٍ مِثْلَ أَلِ الْمُعَرِّفَةِ، كَقَوْلِ تَأَبَّطَ شَرًّا:
هُمَا خُطَّتَا إِمَّا إِسَارٍ وَمِنَّةٍ ... وَإِمَّا دَمٍ وَالْمَوْتُ بِالْحُرِّ أَجْدَرُ
وَقَوْلُهُ: أَنْ تُلْقِيَ وَقَوْلُهُ: أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ يَجُوزُ كَوْنُهُمَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ إِمَّا إِلْقَاؤُكَ مُقَدَّمٌ وَإِمَّا كَوْنُنَا مُلْقِينَ مُقَدَّمٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute