الْمَثَلِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَقَوْلِهِ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ [يُونُس: ٢٤] الْآيَةَ وَذَلِكَ لِيَتَبَادَرَ لِلسَّامِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ حَالَةٍ بِحَالَةٍ لَا ذَاتٍ بِذَاتٍ وَلَا حَالَةٍ بِذَاتٍ فَصَارَ لَفْظُ الْمَثَلِ فِي تَشْبِيهِ الْهَيْئَةِ مَنْسِيًّا مِنْ أَصْلِ وَضْعِهِ وَمُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْحَالَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِحَرْفِ التَّشْبِيهِ حَتَّى مَعَ وُجُودِ لَفْظِ الْمَثَلِ فَصَارَتِ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَثَلِ دَالَّةً عَلَى التَّشْبِيهِ وَلَيْسَتُ زَائِدَةً كَمَا زَعَمَهُ الرَّضِيُّ فِي «شَرْحِ الْحَاجِبِيَّةِ» ، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ [الْبَقَرَة: ١٩] وُقُوفًا مَعَ أَصْلِ الْوَضْعِ وَإِغْضَاءً عَنِ الِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى كَيْفَ اسْتُغْنِيَ عَنْ إِعَادَةِ لَفْظِ الْمَثَلِ عِنْدَ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ وَلَمْ يُسْتَغْنَ عَنِ الْكَافِ.
وَمِنْ أَجْلِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمَثَلِ اقْتَبَسَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ مُصْطَلَحَهُمْ فِي تَسْمِيَةِ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ بِتَشْبِيهِ التَّمْثِيلِ وَتَسْمِيَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُرَكَّبِ الدَّالِّ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْتَزَعَةٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ مَجْمُوعَةً بِعَلَاقَةِ الْمُشَابِهَةِ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً وَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .
وَإِنَّنِي تَتَبَّعْتُ كَلَامَهُمْ فَوَجَدْتُ التَّشْبِيهَ التَّمْثِيلِيَّ يَعْتَرِيهِ مَا يَعْتَرِي التَّشْبِيهَ الْمُفْرَدَ فَيَجِيءُ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ أَوْ حُذِفَتْ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [الْبَقَرَة: ١٦] إِذَا قَدَّرْنَا أُولَئِكَ كَالَّذِينَ اشْتَرَوْا كَمَا قَدَّمْنَا.
الثَّانِي: مَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنْ يَذْكُرُوا اللَّفْظَ الدَّالَّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا وَيُحْذَفُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ نَحْوُ الْمَثَّالِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إِنِّي أَرَاكَ تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى.
الثَّالِثُ: تَمْثِيلِيَّةٌ مَكْنِيَّةٌ وَهِيَ أَنْ تُشَبَّهَ هَيْئَةٌ وَلَا يُذْكَرُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا بَلْ يُرْمَزُ إِلَيْهِ بِمَا هُوَ لَازِمٌ مُشْتَهِرٌ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعُدُّ مِثَالًا لِهَذَا النَّوْعِ خُصُوصَ الْأَمْثَالِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا اللَّقَبِ نَحْوَ الصَّيْفُ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ وَبِيَدِي لَا بَيْدَ عَمْرٍو وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَمْثَالِ فَإِنَّهَا أَلْفَاظٌ قِيلَتْ عِنْدَ أَحْوَالٍ وَاشْتَهَرَتْ وَسَارَتْ حَتَّى صَار ذكرهَا ينبىء بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ عِنْدَهَا وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْحَالَةِ، وَمُوجِبُ شُهْرَتِهَا سَيَأْتِي. ثُمَّ لَمْ يَحْضُرْنِي مِثَالٌ لِلْمَكْنِيَّةِ التَّمْثِيلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ بَابِ الْأَمْثَالِ حَتَّى كَانَ يَوْمُ حَضَرْتُ فِيهِ جِنَازَةً، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute