وَنَقْصٍ الثَّمَرَاتِ قِلَّةُ إِنْتَاجِهَا قِلَّةً غَيْرَ مُعْتَادَةٍ لَهُمْ. فَتَنْوِينُ نَقْصٍ لِلتَّكْثِيرِ وَلِذَلِكَ نُكِّرَ (نَقْصٍ) وَلَمْ يُضَفْ إِلَى (الثَّمَرَاتِ) لِئَلَّا تَفُوتَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْكَثْرَةِ.
فَالسِّنُونَ تَنْتَابُ الْمَزَارِعَ وَالْحُقُولَ، وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ يَنْتَابُ الْجَنَّاتِ.
وَ (لَعَلَّ) لِلرَّجَاءِ، أَيْ مَرْجُوًّا تَذَكُّرُهُمْ، لِأَنَّ الْمَصَائِبَ وَالْأَضْرَارَ الْمُقَارِنَةَ لِتَذْكِيرِ مُوسَى إِيَّاهُمْ بِرَبِّهِمْ، وَتَسْرِيحِ عَبِيدِهِ، مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُهَا مَرْجُوًّا مِنْهُمْ أَنْ يَتَذَكَّرُوا بِأَنَّ ذَلِكَ عِقَابٌ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ وَعَلَى عَدَمِ تَذَكُّرِهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ الْعَلَامَاتِ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الْخَفِيِّاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيءٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٩٤] ، فَشَأْنُ أَهْلِ الْأَلْبَابِ أَنْ يَتَذَكَّرُوا، فَإِذَا لَمْ يَتَذَكَّرُوا، فَقَدْ خَيَّبُوا ظَنَّ مَنْ يَظُنُّ بِهِمْ ذَلِكَ مِثْلِ مُوسَى وَهَارُونَ، أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتَذَكَّرُونَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْإِمْلَاءَ لَهُمْ، وَقَطْعَ عُذْرِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (لَعَلَّ) مِنَ الرَّجَاءِ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الرَّاجِي وَالْمَرْجُوِّ مِنْهُ دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى وُقُوعِ (لَعَلَّ) فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١] .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ لِلْأُمَّةِ لِلنَّظَرِ فِيمَا يُحِيطُ بِهَا مِنْ دَلَائِلِ غَضَبِ اللَّهِ فَإِنَّ سَلْبَ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ إِعْرَاضَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ لِتَفْرِيعِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جُمْلَةِ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أَيْ: فَكَانَ حَالُهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ إِلَخْ ... وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يَتَذَكَّرُوا وَلَكِنَّهُمْ زَادُوا كُفْرًا وَغُرُورًا.
وَالْمَجِيءُ: الْحُصُولُ وَالْإِصَابَةُ، وَإِنَّمَا عُبِّرَ فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِالْمَجِيءِ لِأَنَّ حُصُولَهَا مَرْغُوبٌ، فَهِيَ بِحَيْثُ تُتَرَقَّبُ كَمَا يُتَرَقَّبُ الْجَائِي، وَعُبِّرَ فِي جَانِبِ السَّيِّئَةِ بِالْإِصَابَةِ لِأَنَّهَا تحصل فَجْأَة من غَيْرِ رَغْبَةٍ وَلَا تَرَقُّبٍ.
وَجِيءَ فِي جَانِبِ الْحَسَنَةِ بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي (إِذَا) الدَّلَالَةُ عَلَى الْيَقِينِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنَ الْيَقِينِ كَقَوْلِكَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَعَلْتُ كَذَا، وَلِذَلِكَ غَلَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ مَعَ (إِذَا) فِعْلًا مَاضِيًا لِكَوْنِ الْمَاضِي أَقْرَبَ إِلَى الْيَقِينِ فِي الْحُصُولِ مِنَ
الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي الْآيَةِ، فَالْحَسَنَاتُ أَيِ: النِّعَمُ كَثِيرَةُ الْحُصُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute