وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ، وَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ هُوَ سَبَبُ حَبَطِ أَعْمَالِهِمْ بِتَعْرِيفِهِمْ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ، دُونَ الْإِضْمَارِ، مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِمُ الْمُقْتَضِي بِحَسَبِ الظَّاهِرِ الْإِضْمَارَ فَخُولِفَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِذَلِكَ.
وَإِضَافَةُ وَلِقاءِ إِلَى الْآخِرَةِ عَلَى مَعْنَى (فِي) لِأَنَّهَا إِضَافَةٌ إِلَى ظَرْفِ الْمَكَانِ، مِثْلُ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْد: ٢٤] أَيْ لِقَاءِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ لِقَاءِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ.
وَالْحَبَطُ فَسَادُ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ صَالِحًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [٥] .
وَجُمْلَةُ: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ مستأنفة استينافا بَيَانِيًّا، جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ يَنْشَأُ عَنْ قَوْلِهِ: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ إِذْ قَدْ يَقُولُ سَائِلٌ: كَيْفَ تَحْبَطُ أَعْمَالُهُمُ الصَّالِحَةُ، فَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ جُوزُوا كَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ كَانُوا قَدْ أَحَالُوا الرِّسَالَةَ وَالتَّبْلِيغَ عَنِ اللَّهِ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ جَزَاءً حَسَنًا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِإِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُمْ قَدْ عَطَّلُوا طَرِيقَ الْإِخْبَارِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ، وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْآخِرَةِ، وَهُمْ قَدْ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَطَعُوا الصِّلَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْجَزَاءِ، فَكَانَ حَبَطُ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وِفَاقًا لِاعْتِقَادِهِمْ.
وَالْمُرَادُ بِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ، فَأُطْلِقَ عَلَى التَّكْذِيبِ بِالْآيَاتِ وَبِلِقَاءِ الْآخِرَةِ فِعْلُ يَعْمَلُونَ لِأَنَّ آثَارَ الِاعْتِقَادِ تَظْهَرُ فِي أَقْوَالِ الْمُعْتَقِدِ وَأَفْعَالِهِ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ بِ هَلْ مُشْرَبٌ مَعْنَى النَّفْيِ، وَقَدْ جُعِلَ مِنْ مَعَانِي (هَلْ) النَّفْيُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٩٠] ، فَانْظُرْهُ هُنَاكَ.
وَمَا كانُوا يَعْمَلُونَ مُقَدَّرٌ فِيهِ مُضَافٌ، وَالتَّقْدِيرُ مُكَافِئٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: يُجْزَوْنَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا يَكُونُ نَفْسَ الْمَجْزِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِعْلَ جَزَى يَتَعَدَّى إِلَى الْعِوَضِ الْمَجْعُولِ جَزَاءً بِنَفْسِهِ، وَيَتَعَدَّى إِلَى الْعَمَلِ الْمَجْزِيِّ عَلَيْهِ بِالْبَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الْإِنْسَان: ١٢] وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute