للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْجَسَدُ الْجِسْمُ الَّذِي لَا رُوحَ فِيهِ، فَهُوَ خَاصٌّ بِجِسْمِ الْحَيَوَانِ إِذَا كَانَ بِلَا رُوحٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَجِسْمِ الْعِجْلِ فِي الصُّورَةِ وَالْمِقْدَارِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيٍّ وَمَا وَقَعَ فِي الْقَصَصِ: أَنَّهُ كَانَ لَحْمًا وَدَمًا وَيَأْكُل وَيَشْرَبُ، فَهُوَ مِنْ وَضْعِ الْقَصَّاصِينَ، وَكَيْفَ وَالْقُرْآنُ يَقُولُ: مِنْ حُلِيِّهِمْ، وَيَقُولُ: لَهُ خُوارٌ، فَلَوْ كَانَ لَحْمًا وَدَمًا لَكَانَ ذِكْرُهُ أَدْخَلَ فِي التَّعْجِيبِ مِنْهُ.

وَالْخُوَارُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ صَوْتُ الْبَقَرِ، وَقَدْ جَعَلَ صَانِعُ الْعِجْلِ فِي بَاطِنِهِ تَجْوِيفًا عَلَى تَقْدِيرٍ مِنَ الضِّيقِ مَخْصُوصٍ، وَاتَّخَذَ لَهُ آلَةً نَافِخَةً خَفِيَّةً، فَإِذَا حُرِّكَتْ آلَةُ النَّفْخِ انْضَغَطَ الْهَوَاءُ فِي بَاطِنِهِ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَضِيقِ، فَكَانَ لَهُ صَوْتٌ كَالْخُوَارِ، وَهَذِهِ صَنْعَةٌ كَصَنْعَةِ الصَّفَّارَةِ وَالْمِزْمَارِ، وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ يَجْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ لِصُنْعِهِمَا الْمُسَمَّى بَعْلًا.

وجَسَداً نَعْتٌ لِ عِجْلًا وَكَذَلِكَ لَهُ خُوارٌ.

وَجُمْلَةُ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِبَيَانِ فَسَادِ نَظَرِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ.

وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ وَلِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ هُوَ غَيْرُ الْوَاقِعِ مِنْ حَالِهِمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ حَالَهُمْ يُشْبِهُ حَالَ مَنْ لَا يَرَوْنَ عَدَمَ تَكْلِيمِهِ، فَوَقَعَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْهُ لَعَلَّهُمْ لَمْ يَرَوْا ذَلِكَ، مُبَالَغَةً، وَهُوَ لِلتَّعْجِيبِ وَلَيْسَ لِلْإِنْكَارِ، إِذْ لَا يُنْكَرُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ لِلنَّفْي إِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَنْزِيلِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَرَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ

قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٤٣] .

وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ، لِأَنَّ عَدَمَ تَكْلِيمِ الْعِجْلِ إِيَّاهُمْ مُشَاهَدٌ لَهُمْ، لِأَنَّ عَدَمَ الْكَلَامِ يُرَى مِنْ حَالِ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ، بِانْعِدَامِ آلَةِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ الْفَمُ الصَّالِحُ لِلْكَلَامِ، وَبِتَكَرُّرِ دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ وَهُوَ لَا يُجِيبُ.

وَقَدْ سَفِهَ رَأْيُ الَّذِينَ اتَّخذُوا الْعجل إلاها، بِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى سَفَهِ رَأْيِهِمْ هُوَ أَنَّهُمْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي اتِّخَاذه إلاها بِأَنَّ خَصَائِصَهُ خَصَائِصُ الْعَجْمَاوَاتِ، فَجِسْمُهُ جِسْمُ عِجْلٍ، وَهُوَ مِنْ نَوْعٍ لَيْسَ أَرْقَى أَنْوَاعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَعْرُوفَةِ، وَصَوْتُهُ صَوْتُ الْبَقَرِ، وَهُوَ صَوْتٌ