اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا تَجَلَّى لِلْجَبَلِ ارْتَجَفَ الْجَبَلُ وَمَكَثَ مُوسَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَجَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ
الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ وَالَّذِي يعده، بَعْدَ ذِكْرِ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ وَكَسْرِ الْأَلْوَاحِ، أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى بِأَنْ يَنْحِتَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الْأَوَّلَيْنِ لِيَكْتُبَ عَلَيْهِمَا الْكَلِمَاتِ الْعَشْرَ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْمُنْكَسِرَيْنِ وَأَنْ يَصْعَدَ إِلَى طُورِ سِينَا وَذُكِرَتْ صِفَةُ صُعُودٍ تُقَارِبُ الصِّفَةَ الَّتِي فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمُوسَى مَنْ أَخْطَأَ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي، وَأَنَّ مُوسَى سَجَدَ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَغْفَرَ لِقَوْمِهِ قِلَّةَ امْتِثَالِهِمْ وَقَالَ فَإِن عفرت خَطِيئَتَهُمْ وَإِلَّا فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ. وَجَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا صَعِدَ الطُّورَ فِي الْمُنَاجَاةِ الثَّانِيَةِ صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَلَا يَشْرَبُ مَاءً اسْتِغْفَارًا لِخَطِيئَةِ قَوْمِهِ وَطَلَبًا لِلْعَفْوِ عَنْهُمْ. فَتَبَيَّنَ مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِمُوسَى مِيقَاتَيْنِ لِلْمُنَاجَاةِ، وَأَنَّهُ اخْتَارَ سَبْعِينَ رَجُلًا لِلْمُنَاجَاةِ الْأُولَى وَلَمْ تَذْكُرِ اخْتِيَارَهُمْ لِلْمُنَاجَاةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْمُنَاجَاةُ الثَّانِيَةُ كَالتَّكْمِلَةِ لِلْأُولَى تَعَيَّنَ أَنَّ مُوسَى اسْتَصْحَبَ مَعَهُ السَبْعِينَ الْمُخْتَارِينَ، وَلِذَلِكَ وَقَعَتْ فِيهَا الرَّجْفَةُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقُرْآنُ أَنَّ الرَّجْفَةَ أَخَذَتْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ مُوسَى خَرَّ صَعِقًا، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ السَبْعُونَ قَدْ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ مُوسَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَبَلِ أَيْضًا، وَذَكَرَ الرَّجْفَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ تَذْكُرْهَا التَّوْرَاةُ.
وَالضَّمِيرُ فِي أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ لِلسَّبْعِينَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ حِكَايَةُ حَالِ مِيقَاتِ الْمُنَاجَاةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاسْتِغْفَارُ لِقَوْمِهِ، وَأَنَّ الرَّجْفَةَ الْمَحْكِيَّةَ هُنَا رَجْفَةٌ أَخَذَتْهُمْ مِثْلُ الرَّجْفَةِ الَّتِي أَخَذَتْهُمْ فِي الْمُنَاجَاةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الرَّجْفَةَ تَكُونُ مِنْ تَجَلِّي أَثَرٍ عَظِيمٍ مِنْ آثَارِ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ قَوْلَ مُوسَى أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ يَعْنِى بِهِ عِبَادَتَهُمُ الْعِجْلَ، وَحُضُورَهُمْ ذَلِكَ. وسكوتهم، وَهِي الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ وَقَدْ خَشِيَ مُوسَى أَنَّ تِلْكَ الرَّجْفَةَ مُقَدِّمَةُ عَذَابٍ كَمَا كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى الرِّيحَ أَنْ يَكُونَ مَبْدَأَ عَذَابٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمُنَاجَاةِ الْأُولَى وَأَنَّ قَوْلَهُ: بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يَعْنِي بِهِ مَا صَدَرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ التَّصَلُّبِ قَبْلَ الْمُنَاجَاةِ، كَقَوْلِهِمْ لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [الْبَقَرَة: ٦١] ، وَسُؤَالِهِمْ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ (فَعَلَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute