للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَهُمْ أَرْجَى النَّاسِ بِهَا، وَأَنَّ الْعَاصِينَ هُمْ أَيْضًا مَغْمُورُونَ بِالرَّحْمَةِ، فَمِنْهَا رَحْمَةُ الْإِمْهَالِ وَالرِّزْقِ، وَلَكِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ عِبَادَهَ ذَاتُ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٍ.

وَقَوْلُهُ: عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ- إِلَى قَوْلِهِ- كُلَّ شَيْءٍ جَوَابٌ إِجْمَالِيٌّ، هُوَ تَمْهِيدٌ لِلْجَوَابِ التَّفْصِيلِيِّ فِي قَوْلِهِ: فَسَأَكْتُبُها.

وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَسَأَكْتُبُها تَفْرِيعٌ عَلَى سِعَةِ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّهَا لَمَّا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْهَا مَا يُكْتَبُ أَيْ يُعْطَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِلَّذِينَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفَاتُ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَعْدًا لِمُوسَى وَلِصُلَحَاءَ قَوْمِهِ لتحَقّق تِلْكَ الصِّفَات فِيهِمْ، وَهُوَ وَعْدُ نَاظِرٍ إِلَى قَوْلِ مُوسَى إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوب فِي فَسَأَكْتُبُها عَائِدٌ إِلَى رَحْمَتِي فَهُوَ ضَمِيرُ جِنْسٍ، وَهُوَ مُسَاوٍ لِلْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ، أَيِ اكْتُبُ فَرْدًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتُبُ جَمِيعَ الرَّحْمَةِ لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَجْنَاسِ، لَكِنْ يُعْلَمُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الرَّحْمَةِ نَوْعٌ عَظِيمٌ بِقَرِينَةِ الثَّنَاءِ عَلَى متعلقها بِصِفَات توذن بِاسْتِحْقَاقِهَا، وَبِقَرِينَةِ السُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا الْمُتَعَلِّقِ رَحْمَةً خَاصَّةً عَظِيمَةً وَأَنَّ غَيْرَهُ دَاخِلٌ فِي بَعْضِ مَرَاتِبِ عُمُومِ الرَّحْمَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

وَتقدم معنى فَسَأَكْتُبُها قَرِيبًا.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى: وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٨٩] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي سَأَلَهَا مُوسَى لَهُ وَلِقَوْمِهِ وَعَدَ اللَّهُ بِإِعْطَائِهَا لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ وَالْمُؤْتِينَ الزَّكَاةَ، وَلِمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَالْآيَاتُ تَصْدُقُ: بِدَلَائِلِ صِدْقِ الرُّسُلِ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ الَّتِي شَرَعَ بِهَا لِلنَّاسِ رَشَادَهُمْ وَهَدْيَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا الْقُرْآنُ لِأَنَّ كُلَّ مِقْدَارِ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْهُ هُوَ آيَةٌ لِأَنَّهُ مُعْجِزٌ فَدَالٌّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الْأُمِّيَّ إِذَا جَاءَهُمْ، أَيْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ، وَلَمَّا جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِسَبَبِ تِلْكَ الرَّحْمَةِ