وَ (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) هُمُ الْفَرِيقَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً- إِلَى قَوْلِهِ- وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، والَّذِينَ ظَلَمُوا هُمُ الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ إِلَخْ.
وَالظُّلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِصْيَانِ، وَهُوَ ظُلْمُ النَّفْسِ، حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَدَمِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ.
وبيس قَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ- بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُشْبَعَةً بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَبِتَنْوِينِ
السِّينِ- عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِئْسَ- بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ فَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً مِثْلَ قَوْلِهِمْ: ذِيبٌ فِي ذِئْبٍ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِئْسٍ بِالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ وَإِبْقَاءِ التَّنْوِينِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ بَئِيسٍ.
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بَئِيسٍ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَتَنْوِينِ السِّينِ- عَلَى أَنَّهُ مِثَالُ مُبَالَغَةٍ مِنْ فِعْلِ بَؤُسَ- بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ- إِذَا أَصَابَهُ الْبُؤْسُ، وَهُوَ الشِّدَّةُ مِنَ الضُّرِّ. أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ عَذِيرٍ وَنَكِيرٍ.
وَقَرَأَهُ أَبُو بَكْرٍ عَن عَاصِم بَئِيسٍ بِوَزْنِ صَيْقَلٍ، عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَوْصُوفِ بِفعل الْبُؤْس مُبَالغَة، وَالْمَعْنَى، عَلَى جَمِيعِ الْقِرَاءَاتِ: أَنَّهُ عَذَابٌ شَدِيدُ الضُّرِّ.
وَقَوْلُهُ: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ قَرِيبًا.
وَقَدْ أُجْمِلَ هَذَا الْعَذَابُ هُنَا، فَقِيلَ هُوَ عَذَابٌ غَيْرُ الْمَسْخِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَهُوَ عَذَابٌ أُصِيبَ بِهِ الَّذِينَ نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ، فَيَكُونُ الْمَسْخُ عَذَابًا ثَانِيًا أُصِيبَ بِهِ فَرِيقٌ شَاهَدُوا الْعَذَابَ الَّذِي حَلَّ بِإِخْوَانِهِمْ، وَهُوَ عَذَابٌ أَشَدُّ، وَقَعَ بَعْدَ الْعَذَابِ الْبِيسِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فَابْتَدَأَهُمْ بِعَذَابِ الشِّدَّةِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا وَعَتَوْا، سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَذَابَ الْمَسْخِ.
وَقيل: الْعَذَاب البئيس هُوَ الْمَسْخُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ بَيَانا» جمال الْعَذَاب البئيس، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَلَمَّا عَتَوْا بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَسُوا صِيغَ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ لِتَهْوِيلِ النِّسْيَانِ وَالْعُتُوِّ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ النِّسْيَانَ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ، وَقَعَ مُقَارِنًا لِلْعُتُوِّ.
وَمَا ذُكِّرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ مَا صدقهما شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ