«النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ» بِسَنَدِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ حَتَّى اسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ
وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي غَرَضِنَا، وَمَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَدْلُولِ الْفَحْوَى الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِمَنْطُوقِ الْآيَةِ، وَبِهِ صَارَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: صَرِيحٌ وَهُوَ مَا أَفَادَهُ لَفْظُهَا، وَثَانِيهِمَا: مَفْهُومٌ وَهُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ. وَجَاءَ فِي الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَى الذُّرِّيَّاتِ الْعَهْدَ بِالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ مَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ مِنْهُمْ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ اقْتِصَارٌ عَلَى بَيَانِ مَا سَأَلَ عَنْهُ السَّائِل فَيكون تَفْسِيرا للأية تَفْسِيرُ تَكْمِيلٍ لِمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، أَوْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ اقْتِصَارٌ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ عَلَى بَعْضِ مَا سَمِعَهُ.
وَالْأَخْذُ مَجَازٌ فِي الْإِخْرَاجِ وَالِانْتِزَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ [الْأَنْعَام: ٤٦] الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ ظُهُورِهِمْ بَدَلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أبدل بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَقَدْ أُعِيدَ حَرْفُ الْجَرِّ مَعَ الْبَدَلِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٩] .
وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْأَنْفُسِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُسَاوِي الْإِقْرَارَ أَوِ الْحَمْلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا الْحَمْلُ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَاسْتُعِيرَ لِحَالَةٍ مُغَيَّبَةٍ تَتَضَمَّنُ هَذَا الْإِقْرَارَ يَعْلَمُهَا اللَّهُ لِاسْتِقْرَارِ مَعْنَى هَذَا الِاعْتِرَافِ فِي فِطْرَتِهِمْ. وَالضَّمِيرُ فِي أَشْهَدَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الذُّرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ.
وَالْقَوْلُ فِي قالُوا بَلى مُسْتَعَارٌ أَيْضًا لِدَلَالَةِ حَالِهِمْ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَجُمْلَةُ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَيْ قَرَّرَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ مِنْ أَمْرِ التَّكْوِينِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى ضَمِيرِ بَنِي آدَمَ كَانَ عَلَى مَعْنَى التَّوْزِيعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute