فَمَعْنَى إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ إِنْ تُطَارِدْهُ وَتُهَاجِمْهُ. مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمْلِ الَّذِي هُوَ الْهُجُومُ عَلَى أَحَدٍ لِقِتَالِهِ، يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى الْقَوْمِ حَمْلَةً شَعْوَاءَ أَوْ حَمْلَةً مُنْكَرَةً. وَقَدْ أَغْفَلَ الْمُفَسِّرُونَ تَوْضِيحَهُ، وَأَغْفَلَ الرَّاغِبُ فِي «مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ» هَذَا الْمَعْنَى لِهَذَا الْفِعْلِ.
فَهَذَا تَشْبِيهُ تَمْثِيلٍ مُرَكَّبٌ مُنْتَزَعَةٌ فِيهِ الْحَالَةُ الْمُشَبَّهَةُ وَالْحَالَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ،
وَلَمَّا ذَكَرَ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ فِي شَقِّ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُقَابِلٌ فِي الْحَالَةِ الْمُشَبَّهَةِ، وَتَتَقَابَلُ أَجْزَاءُ هَذَا التَّمْثِيلِ بِأَنْ يُشَبَّهَ الضَّالُّ بِالْكَلْبِ، وَيُشَبَّهَ شَقَاؤُهُ وَاضْطِرَابُ أَمْرِهِ فِي مُدَّةِ الْبَحْثِ عَنِ الدِّينِ بِلَهَثِ الْكَلْبِ فِي حَالَةِ تَرْكِهِ فِي دَعَةٍ، تَشْبِيهَ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ، وَيُشَبَّهَ شَقَاؤُهُ فِي إِعْرَاضِهِ عَنِ الدِّينِ الْحَقِّ عِنْدَ مَجِيئِهِ بِلَهَثِ الْكَلْبِ فِي حَالَةِ طَرْدِهِ وَضَرْبِهِ تَشْبِيهَ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ. وَقَدْ أَغْفَلَ هَذَا الَّذِينَ فَسَّرُوا هَذِهِ الْآيَةَ فَقَرَّرُوا التَّمْثِيلَ بِتَشْبِيهِ حَالَةٍ بَسِيطَةٍ بِحَالَةٍ بَسِيطَةٍ فِي مُجَرَّدِ التَّشْوِيهِ أَو الخسة. فيؤول إِلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْكَلْبِ إِظْهَارُ خِسَّةِ الْمُشَبَّهِ، كَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ كَبِيرُ جَدْوَى، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَّهُ لِتَشْوِيهِ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، لِتَكْتَسِبَ الْحَالَةُ الْمُشَبَّهَةُ تَشْوِيهًا، وَذَلِكَ تَقْصِيرٌ فِي حَقِّ التَّمْثِيلِ.
وَالْكَلْبُ حَيَوَانٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ ذُو أَنْيَابٍ وَأَظْفَارٍ كَثِيرُ النَّبْحِ فِي اللَّيْلِ قَلِيلُ النَّوْمِ فِيهِ كَثِيرُ النَّوْمِ فِي النَّهَارِ، يَأْلَفُ مَنْ يُعَاشِرُهُ ويحرس مَكَانَهُ مِنَ الطَّارِقِينَ الَّذِينَ لَا يَأْلَفُهُمْ، وَيَحْرُسُ الْأَنْعَامَ الَّتِي يُعَاشِرُهَا، وَيَعْدُو عَلَى الذِّئَابِ، وَيَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ.
وَيَلْهَثُ إِذَا أَتْعَبَ أَوِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ، وَيَلْهَثُ بِدُونِ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي خِلْقَتِهِ ضِيقًا فِي مَجَارِي النَّفَسِ يَرْتَاحُ لَهُ بِاللَّهَثِ.
وَجُمْلَةُ: إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكَلْبِ وَالْخِطَابُ فِي تَحْمِلْ وَتَتْرُكْ لِمُخَاطَبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْمَعْنَى إِنْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ حَامِلٌ، أَوْ يَتْرُكْهُ تَارِكٌ.
وَاللَّهَثُ: سُرْعَةُ التَّنَفُّسِ مَعَ امْتِدَادِ اللِّسَانِ لِضِيقِ النَّفَسِ، وَفِعْلُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبِكَسْرِهَا، وَمُضَارِعُهُ بِفَتْحِهَا لَا غَيْرَ، وَالْمَصْدَرُ اللَّهَثُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَيُقَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute