دُونَ تَقْيِيدٍ فَمَمْنُوعٌ إِجْمَاعًا.
وَالْمُرَادُ مِنْ تَرْكِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ فِي مُحَاجَّتِهِمْ لِظُهُورِ أَنَّهُمْ غَيْرُ قَاصِدِينَ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، أَوْ تَرْكُ الْإِصْغَاءِ لِكَلَامِهِمْ لِئَلَّا يَفْتِنُوا عَامَّةَ الْمُؤْمِنِينَ بِشُبُهَاتِهِمْ، أَيِ اتركوهم وَلَا تغلّبوا أَنْفُسَكُمْ فِي مُجَادَلَتِهِمْ، فَإِنِّي سَأَجْزِيهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنًى «ذَرْ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٠] .
وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ عَنْ وَسَطِ الشَّيْءِ إِلَى جَانِبِهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى تَرْجِعُ مُشْتَقَّاتُهُ كُلُّهَا، وَلَمَّا كَانَ وَسَطُ الشَّيْءِ يُشَبَّهُ بِهِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ، اسْتَتْبَعَ ذَلِكَ تَشْبِيهَ الْعُدُولِ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ بِالْإِلْحَادِ، فَأُطْلِقَ الْإِلْحَادُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِفْسَادِ، ويعدى حِينَئِذٍ ب (فِي) لِتَنْزِيلِ الْمَجْرُورِ بِهَا مَنْزِلَةَ الْمَكَانِ لِلْإِلْحَادِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَعَمُّدٍ لِلْإِفْسَادِ، وَيُقَالُ: لَحَدَ وَأَلْحَدَ، وَالْأَشْهُرُ أَلْحَدَ.
وَقَرَأَ مَنْ عَدَا حَمْزَةَ يُلْحِدُونَ- بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ- مِنْ أَلْحَدَ الْمَهْمُوزِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَحْدَهُ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ، مِنْ لَحَدَ الْمُجَرَّدِ.
وَإِضَافَةُ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَسْمَاؤُهُ الَّتِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَتُهُ بِهَا.
وَمَعْنَى الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ جَعْلُهَا مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ بِإِنْكَارِ تَسْمِيَتِهِ تَعَالَى بِالْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتٍ ثَابِتَةٍ لَهُ، وَهُوَ الْأَحَقُّ بِكَمَالِ مَدْلُولِهَا فَإِنَّهُم أَنْكَرُوا الرحمان، كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَعَلُوا تَسْمِيَتَهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَسِيلَةً لِلتَّشْنِيعِ، وَلَمْزِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ عَدَّدَ الْآلِهَةَ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الْبُهْتَانِ وَالْجَوْرِ فِي الْجِدَالِ، فَحُقَّ بِأَنْ يُسَمَّى إِلْحَادًا لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْحَقِّ بِقَصْدِ الْمُكَابَرَةِ وَالْحَسَدِ.
وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي أَسْمائِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ
كَقَوْل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ»
الْحَدِيثَ، وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
وَعَصَيْتُ فِيكِ أَقَارِبِي فَتَقَطَّعَتْ ... بَيْنِي وَبَيْنَهُمُ عُرَى أَسْبَابِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute