للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْحَدث، فَلم يَجِيء مِنْهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، فَاحْتِيجَ إِلَى اللَّامِ، لِتَبْيِينِ تَعَلُّقِ الْمَفْعُولِ بِفِعْلِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَمْلَى لِلْبَعِيرِ بِمَعْنَى أَطَالَ لَهُ فِي طُولِهِ فِي الْمَرْعَى، فَهُوَ جَاءَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ أَوِ الِاسْتِعَارَةِ.

فَجُمْلَةُ: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِلْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَإِنَّ الِاسْتِدْرَاجَ وَالْإِمْلَاءَ ضَرْبٌ مِنَ الْكَيْدِ، وَكَيْدُ اللَّهِ مَتِينٌ أَيْ قَوِيٌّ لَا انْفِلَاتَ مِنْهُ لِلْمَكِيدِ.

وَمَوْقِعُ (إِنَّ) هُنَا مَوْقِعُ التَّفْرِيعِ وَالتَّعْلِيلِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ: إِنَّهَا تُغْنِي فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِعِ غِنَاءَ الْفَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩٦] ، أَيْ: يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاجُ وَذَلِكَ الْإِمْلَاءُ بَالِغَيْنِ مَا أَرَدْنَاهُ بِهِمْ لِأَنَّ كَيَدِي قَوِيٌّ.

وَلَمَّا كَانَ أُمْلِي مَعْطُوفًا عَلَى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ، فَهُوَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ حُكْمِ الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ: وَسَأُمْلِي لَهُمْ.

وَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ فعلي (نستدرج) و (أملي) فِي كَوْنِ ثَانِيهِمَا بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَوَّلِهِمَا بِنُونِ الْعَظَمَةِ مُغَايَرَةٌ اقْتَضَتْهَا الْفَصَاحَةُ مِنْ جِهَةِ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ بَيْنَ حَرْفَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي النُّطْقِ فِي سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وَلِلتَّفَنُّنِ وَالِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ الْأَوَّلِ.

وَ (الْكَيْدُ) لَمْ يُضْبَطْ تَحْدِيدُ مَعْنَاهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يُرَادِفُ الْمَكْرَ وَالْحِيلَةَ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: «ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِيَالِ، وَقَدْ يَكُونُ مَذْمُومًا وَمَمْدُوحًا وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَذْمُومِ أَكْثَرَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَيْدَ أَخَصُّ مِنْ الِاحْتِيَالِ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ غُلِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الِاحْتِيَالِ عَلَى تَحْصِيلٍ مَا لَوِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمَكِيدُ لَاحْتَرَزَ مِنْهُ، فَهُوَ احْتِيَالٌ فِيهِ مَضِرَّةٌ مَا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، فَمُرَادُ الرَّاغِبِ بِالْمَذْمُومِ الْمَذْمُومُ عِنْدَ الْمَكِيدِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ» وَقَالَ ابْنُ كَمَالْ بَاشَا: الْكَيْدُ الْأَخْذُ عَلَى خَفَاءٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إِظْهَارُ الْكَائِدِ خِلَافَ مَا يُبْطِنُهُ.

وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ التَّدْقِيقَاتِ: أَنَّ الْكَيْدَ أَخَصُّ مِنَ الْحِيلَةِ وَمِنَ الِاسْتِدْرَاجِ.

وَوُقُوعُ جُمْلَةِ: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِدْرَاجَهُمْ وَالْإِمْلَاءُ لَهُمْ كَيْدٌ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ إِلَى مَا يَكْرَهُونَهُ، وَتَأْجِيلٌ لَهُمْ إِلَى حُلُولِ مَا يَكْرَهُونَهُ،