للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى اللَّامِ يُنَاسِبُ أَحَدَ مَعْنَيَيِ الْإِجْلَاءِ، وَهُوَ الْإِظْهَارُ، لِأَنَّهُ الَّذِي إِذَا حَصَلَ تَمَّ كَشْفُ أَمْرِهَا، وَتَحَقَّقَ النَّاسُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِجْلَائِهَا كَانَ عَالِمًا بِوَقْتِ حُلُولِهَا.

وَفُصِلَتْ جُمْلَةُ: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ لِأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ التَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ.

وَقُدِّمَ الْمَجْرُورُ وَهُوَ لِوَقْتِها عَلَى فَاعِلِ يُجَلِّيها الْوَاقِعِ اسْتِثْنَاءً مُفْرَغًا لِلِاهْتِمَامِ بِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تَجْلِيَةَ أَمْرِهَا تَكُونُ عِنْدَ وَقْتِ حُلُولِهَا لِأَنَّهَا تَأْتِي بَغْتَةً.

وَجُمْلَةُ: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مُعْتَرِضَةٌ لِقَصْدِ الْإِفَادَةِ بِهَوْلِهَا، وَالْإِيمَاءِ إِلَى حِكْمَةِ إِخْفَائِهَا.

وَفِعْلُ ثَقُلَتْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِشِدَّةِ، أَمْرِهَا كَقَوْلِهِ: وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْجِيبًا بِصِيغَةِ فَعُلَ- بِضَمِّ الْعَيْنِ- فَتُقَدَّرُ الضَّمَّةُ ضَمَّةَ تَحْوِيلِ الْفِعْلِ لِلتَّعْجِيبِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ ضَمَّةٌ أَصْلِيَّةٌ فِي الْفِعْلِ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ [الْكَهْف: ٥] .

وَالثِّقَلُ مُسْتَعَارٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا يُسْتَعَارُ الْعِظَمُ وَالْكِبَرُ، لِأَنَّ شِدَّةَ وَقْعِ الشَّيْءِ فِي النُّفُوسِ وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهَا تخيّل لمن خلت بِهِ أَنَّهُ حَامِلٌ شَيْئًا ثَقِيلًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥] أَيْ شَدِيدًا تَلَقِّيهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَوَصْفُ السَّاعَةِ بِالثِّقَلِ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ مَظْرُوفٌ فِي وَقْتِهَا مِنَ الْحَوَادِثِ، فَوَصْفُهَا بِذَلِكَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ، وَهِيَ كَوْنُ الثِّقَلِ بِمَعْنَى الشِّدَّةِ لَا يَكُونُ وَصْفًا لِلزَّمَانِ، وَلَكِنَّهُ وَصْفٌ لِلْأَحْدَاثِ، فَإِذَا أُسْنِدَ إِلَى الزَّمَانِ، فَإِسْنَادُهُ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِهِ ظَرْفًا لِلْأَحْدَاثِ، كَقَوْلِهِ: وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ

[هود: ٧٧] .

وَثِقَلُ السَّاعَةِ أَيْ شِدَّتُهَا هُوَ عِظَمُ مَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَهُولَةِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ تَصَادُمِ الْكَوَاكِبِ، وَانْخِرَامِ سِيَرِهَا، وَمِنْ زَلَازِلِ الْأَرْضِ وَفَيَضَانِ الْبَرَاكِينِ، وَالْبِحَارِ، وَجَفَافِ الْمِيَاهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْشَأُ عَنِ اخْتِلَالِ النظام الَّذِي مَكَان عَلَيْهِ سَيْرُ الْعَالَمِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُحْدِثُ شِدَّةً عَظِيمَةً عَلَى كُلِّ ذِي إِدْرَاكٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ.