وَأَصْلُ مَعْنَى التَّجَدُّدِ، الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُسْنَدُ الْفِعْلِيُّ، هُوَ حُدُوثُ مَعْنَى الْمُسْنَدِ لِلْمُسْنِدِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ ثُبُوتٍ وَتَقَرُّرٍ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَأَنَّهُمْ مَا خَلَقُوا شَيْئًا فِي الْمَاضِي، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَلْقُ صِفَةً ثَابِتَةً لَهُمْ لَكَانَ مُتَقَرِّرًا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ.
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي وَهُمْ يُخْلَقُونَ يَجُوزُ عِنْدِي: أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ
ضمير يُشْرِكُونَ [الْأَعْرَاف: ١٩٠] ، أَيْ: وَالْمُشْرِكُونَ يُخْلَقُونَ، وَمَعْنَى الْحَالِ زِيَادَةُ تَفْظِيعِ التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ لِإِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ أَصْنَافًا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا فِي حَالِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُخْلَقُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، أَيْ يَتَجَدَّدُ خَلْقُهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ يُشَاهِدُونَ الْأَصْنَامَ جَاثِمَةً فِي بُيُوتِهَا وَمَوَاضِعِهَا لَا تَصْنَعُ شَيْئًا فَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ دَالَّةٌ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.
وَدَلَالَةُ الْمُضَارِعِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالتَّكَرُّرِ دَلَالَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ مَعْنَى التَّجَدُّدِ الَّذِي فِي أَصْلِ الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ، وَهِيَ دَلَالَةٌ مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرْكِيبِ بِحَسَبِ الْقَرَائِنِ الْمُعَيِّنَةِ لَهَا وَلَا تُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ لِذَلِكَ، وَمَعْنَى تَجَدُّدِ مَخْلُوقِيَّتِهِمْ: هُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ صَادِقٌ بِأُمَّةٍ وَجَمَاعَةٍ، فَالْمَخْلُوقِيَّةُ لَا تُفَارِقُهُمْ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ آنًا فَآنًا بِازْدِيَادِ الْمَوَالِيدِ، وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْمَوَاجِيدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ [الزمر: ٦] فَتَكُونُ جُمْلَةُ: وَهُمْ يُخْلَقُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ أَيُشْرِكُونَ.
وَالْمُفَسِّرُونَ أَعَادُوا ضَمِيرَ وهُمْ يُخْلَقُونَ عَلَى مَا لَا يَخْلُقُ، أَيِ الْأَصْنَامُ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَعْنَى كَوْنِ الْأَصْنَامِ مَخْلُوقَةً وَهِيَ صُوَرٌ نَحَتَهَا النَّاسُ، وَلَيْسَتْ صُوَرُهَا مَخْلُوقَةً لِلَّهِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَادَّتَهَا مَخْلُوقَةٌ وَهِيَ الْحِجَارَةُ.
وَجَعَلُوا إِجْرَاءَ ضَمَائِرِ الْعُقَلَاءِ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ- وَقَوْلِهِ- يُخْلَقُونَ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصْنَامِ وَهِيَ جَمَادَاتٌ لِأَنَّهُمْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ، بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ الْمَحْجُوجِينَ فِيهِمْ، وَلَا يظْهر على لهَذَا التَّقْدِيرِ وَجْهُ الْإِتْيَانِ بِفِعْلِ يُخْلَقُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْقَ غَيْرُ مُتَجَدِّدٍ.
وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ فِي لَهُمْ نَصْراً عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْمَجْرُورَ بِاللَّامِ بَعْدَ فِعْلِ الِاسْتِطَاعَةِ وَنَحْوِهِ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَقَعُ الْفِعْلُ مِثْلَ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً [العنكبوت: ١٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute