للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضمير أَيُشْرِكُونَ [الْأَعْرَاف:

١٩١] فَبَعْدَ أَنْ عَجَّبَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ أَنْبَأَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الدَّعْوَةَ إِلَى الْهُدَى.

وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْغَالِبِ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَقَدْ آمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ حِينٍ وَتَلَاحَقُوا بِالْإِيمَانِ، عَدَا مَنْ مَاتُوا عَلَى الشِّرْكِ.

وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَلْيَقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا [الْأَعْرَاف: ١٩٨] الْآيَةَ لِيَكُونَ الْمُخْبَرُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ فِي الْآيَة الْآتِيَة، لظهر تَفَاوُتِ الْمَوْقِعِ بَيْنَ لَا يَتَّبِعُوكُمْ وَبَيْنَ لَا يَسْمَعُوا [الْأَعْرَاف: ١٩٨] .

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى إِلَخْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الصِّلَةِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الْأَعْرَاف: ١٩١] فَيَكُونُ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي تَدْعُوهُمْ خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ الْحَدِيثُ عَنْهُمْ بِضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الْأَعْرَاف: ١٩٠] إِلَى هُنَا، فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتْبَعُوهُمْ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ إِلَى طَرِيقِ الْخِطَابِ الْتِفَاتًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ تَوَجُّهًا إِلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ، لِأَنَّ الْخِطَابَ أَوْقَعُ فِي الدَّمْغِ بِالْحُجَّةِ.

والْهُدى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيبُونَ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ فَيُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَوْ دَعَوْهُمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ عَدَمُ اتِّبَاعِهِمْ دَعْوَتَهُمْ أَوْلَى.

وَجُمْلَةُ: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَتَّبِعُوكُمْ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وسَواءٌ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمُسَاوِي غَيْرَهُ أَيْ لَيْسَ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْمَعْنَى الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَالْهَمْزَةُ الَّتِي بَعْدَ سَواءٌ يُقَالُ لَهَا هَمْزَةُ التَّسْوِيَةِ، وَأَصْلُهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ اسْتُعْمِلَتْ فِي التَّسْوِيَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦] ، أَيْ سَوَاءٌ دَعْوَتُكُمْ إِيَّاهُمْ وَصَمْتُكُمْ عَنِ الدَّعْوَةِ.

وَ (عَلَى) فِيهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ وَهِيَ بِمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ أَيْ: سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَمْرَانِ سَوَاءٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يُجْعَلَا سَوَاءً عَلَى الْمَدْعُوِّينَ فَلَمْ يَقُلْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ تَأْيِيسُ