للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ جُمْلَةِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢، ٣] .

وَجَعَلَهَا الزَّجَّاجُ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الْأَعْرَاف: ١٩٢] أَيْ وَيَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ، يُرِيدُ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا يَنْفَعُونَهُمْ بَلْ يَضُرُّونَهُمْ بِزِيَادَةِ الْغَيِّ. وَالْإِخْوَانُ جَمْعُ أَخٍ عَلَى وَزْنِ فِعْلَانِ مِثْلُ جَمْعِ خَرَبٍ ووهو ذكر بِزِيَادَة الغي.

والإخوان جمع أَخ على وزن فعلان مثل جمع خرب- وَهُوَ ذَكَرُ الْحُبَارَى- عَلَى خِرْبَانٍ.

وَحَقِيقَةُ الْأَخِ الْمُشَارِكِ فِي بُنُوَّةِ الْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْ فِي بُنُوَّةِ أَحَدِهِمَا وَيُطْلِقُ الْأَخُ مَجَازًا عَلَى الصَّدِيقِ الْوَدُودِ وَمِنْهُ مَا آخى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ،

وَقَوْلُ أبي بكر للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَطَبَ النَّبِيءُ مِنْهُ عَائِشَةَ «إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ- فَقَالَ لَهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتَ أَخِي وَهِيَ حَلَالٌ لِي»

وَيُطْلَقُ الْأَخُ عَلَى الْقَرِينِ كَقَوْلِهِمْ أَخُو الْحَرْبِ، وَعَلَى التَّابِعِ الْمُلَازِمِ كَقَوْلِ عَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ:

أَخُوكُمْ وَمَوْلَى خَيْرِكُمْ وَحَلِيفُكُمْ ... وَمَنْ قَدْ ثَوَى فِيكُمْ وَعَاشَرَكُمْ دَهْرَا

أَرَادَ أَنَّهُ عَبْدُهُمْ، وَعَلَى النَّسَبِ وَالْقُرْبِ كَقَوْلِهِمْ: أَخُو الْعَرَبِ وَأَخُو بَنِي فُلَانٍ.

فَضَمِيرُ وَإِخْوانُهُمْ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ، إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ قَرِيبًا: لِأَنَّ الَّذِي ذُكِرَ قَبْلَهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ، وَهُوَ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ مُتَعَلِّقًا بِضَمِيرٍ يَعُودُ إِلَى الْمُتَّقِينَ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَتَطَلَّبَ السَّامِعُ لِضَمِيرِ وَإِخْوانُهُمْ مَعَادًا غَيْرَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْكَلَامِ بِقُرْبِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مَعْلُومٍ مِنَ السِّيَاقِ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً [الْأَعْرَاف: ١٩٠- ١٩٢] فَيَرُدُّ السَّامِعُ الضَّمِيرَ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ بِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ نَظِيرِهِ فِي أَصْلِ الْكَلَامِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الْأَعْرَاف: ١٩٢] ، أَيْ وَإِخْوَانُ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ أَقَارِبُهُمْ وَمَنْ هُوَ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ وَجَمَاعَةِ دِينِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ [آل عمرَان: ١٥٦] أَيْ يَمُدُّ الْمُشْرِكُونَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي الْغَيِّ وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْهِ فَلَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنَ الْغَيِّ.