للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٩] . وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَالْكَلْبِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَاد بِآيَة ءاية مِنَ الْقُرْآنِ يَقْتَرِحُونَ فِيهَا مَدْحًا لَهُمْ وَلِأَصْنَامِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يُونُس: ١٥] رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَتَادَةَ:

كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا تَأَخَّرَ الْوَحْيُ يَقُولُونَ لِلنَّبِيءِ هَلَّا أَتَيْتَ بِقُرْآنٍ مِنْ عِنْدِكَ يُرِيدُونَ التَّهَكُّمَ.

ولَوْلا حَرْفُ تَحْضِيضٍ مِثْلَ (هَلَّا) .

وَالِاجْتِبَاءُ الِاخْتِيَارُ، وَالْمَعْنَى: هَلَّا اخْتَرْتَ آيَةً وَسَأَلْتَ رَبَّكَ أَنْ يُعْطِيَكَهَا، أَيْ هَلَّا أَتَيْتَنَا بِمَا سَأَلْنَاكَ غَيْرَ آيَةِ الْقُرْآنِ فَيُجِيبَكَ اللَّهُ إِلَى مَا اجْتَبَيْتَ، وَمَقْصِدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ نَصْبُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ لَهُمْ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي يَعْتَرِي أَهْلَ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ فِي فَهْمِ الْأَشْيَاءِ عَلَى خِلَافِ حَقَائِقِهَا وَبِحَسَبِ مَنْ يَتَخَيَّلُونَ لَهَا وَيَفْرِضُونَ.

وَالْجَوَابُ الَّذِي أَمر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُجِيبَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ مَا يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ، فَالِاتِّبَاعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الِاقْتِصَارِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ الْحَدِّ، أَيْ لَا أَطْلُبُ آيَةً غَيْرَ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، وَيُعَضِّدُ هَذَا مَا

فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ

رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُوتِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

وَيَكُونُ الْمَعْنَى:

إِنَّمَا أَنْتَظِرُ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَلَا أَسْتَعْجِلُ نُزُولَ الْقُرْآنِ إِذَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ فَيَكُونُ الِاتِّبَاعُ مُتَعَلِّقًا بِالزَّمَانِ.

هَذَا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

مُسْتَأْنَفَةٌ لِابْتِدَاءِ كَلَامٍ فِي التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الْمَقُولِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِمَجْمُوعِ أَغْرَاضِ السُّورَةِ، وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ وَقَعَ التَّخَلُّصُ لِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

وَالْإِشَارَةُ بِ هَذَا بَصائِرُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّورَةِ أَوْ مِنَ الْمُحَاجَّةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهَا، وَإِفْرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَأْوِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِالْمَذْكُورِ.