غَنِمَهُ، وَكَمَا يُوجَدُ الْقَتِيلُ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَيَدْخُلُ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ تَحْتَ جِنْسِ الْفَيْءِ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَشْرِ [٦، ٧] بِقَوْلِهِ: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ- إِلَى قَوْلِهِ- بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ الَّتِي سَلَّمُوهَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَفَرُّوا.
وَبِهَذَا تَتَحَصَّلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْعَدُوِّ فِي الْقِتَالِ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ:
الْمَغْنَمُ، وَالْفَيْءُ، وَهُمَا نَوْعَانِ، وَالنَّفَلُ. وَهُوَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْقِسْمَةِ وَكَانَتْ مُتَدَاخِلَةً، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْغَزْوِ فِي الْمُسْلِمِينَ خُصَّ كُلُّ اسْمٍ بِصِنْفٍ خَاصٍّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْفَال: ٤١] الْآيَةَ، وَلَا تَقْتَضِي اللُّغَةُ هَذَا التَّخْصِيصَ أَيْ تَخْصِيصُ اسْمِ الْغَنِيمَةِ بِمَالِ الْكُفَّارِ إِذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، وَلَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ قَيَّدَ اللَّفْظَ بِهَذَا النَّوْعِ فَسَمَّى الْوَاصِلَ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَيْنَا مِنَ الْأَمْوَالِ بِاسْمَيْنِ (أَيْ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ) غَنِيمَةً وَفَيْئًا يَعْنِي وَأَمَّا النَّفَلُ فَهُوَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْ مَقْسُومِ الْغَنِيمَةِ لَا لِنَوْعٍ مِنَ الْمَغْنَمِ.
وَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ النَّفَلَ مَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ مِنَ الْخُمُسِ لِمَنْ يَرَى إِعْطَاءَهُ إِيَّاهُ، مِمَّنْ لَمْ يَغْنَمْ ذَلِكَ بِقِتَالٍ.
فَالْأَنْفَالُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ بِهَا مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْمَغْنَمِ. فَيَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ يَصْرِفُهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُعْطِيهِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْجَيْشِ لِإِظْهَارِ مَزِيَّةِ الْبَطَلِ، أَوْ لِخَصْلَةٍ عَظِيمَةٍ يَأْتِي بِهَا، أَوْ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَايَةِ فِي الْعَدُوِّ.
فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»
وَقَدْ جَعَلَهَا الْقُرْآنُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، أَيْ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ اللَّهُ رَسُولَهُ أَوْ لِمَا يَرَاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» «وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَا بَلَغَنَا عَنِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ» (يَعْنِي مَعَ تَكَرُّرِ مَا يَقْتَضِيهِ فَأَرَادَ ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ قَضِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِيَوْمِ حُنَيْنٍ) .
فَالْآيَةُ مَحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَال: ٤١] فَيَكُونُ لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا إِذْ لَا تَدَاخُلَ بَيْنَهُمَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute