للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوْرِدَ الْأَمْرِ بِالتَّخَلُّقِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِيمَانُ أُحِيلُوا فِي مَعْرِفَةِ أَمَارَاتِ هَذَا التَّخَلُّقِ عَلَى صِفَاتٍ يَأْنَسُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إِذَا عَلِمُوهَا.

وَالذِّكْرُ حَقِيقَتُهُ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا عُلِّقَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ فَالْمَقْصُودُ مِنَ الذَّاتِ أَسْمَاؤُهَا، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: إِذا ذُكِرَ اللَّهُ إِذَا نَطَقَ نَاطِقٌ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ بشأن من شؤونه، مِثْلِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ جَرَيَانِ اسْمِهِ أَوْ ضَمِيرِهِ أَوْ مَوْصُولِهِ أَوْ إِشَارَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلِ ذَاتِهِ.

وَالْوَجَلُ خَوْفٌ مَعَ فَزَعٍ فَيَكُونُ لِاسْتِعْظَامِ الْمَوْجُولِ مِنْهُ.

وَقَدْ جَاءَ فِعْلُ وَجِلَ فِي الْفَصِيحِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي عَلَى طَرِيقَةِ الْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الِانْفِعَالِ الْبَاطِنِيِّ مِثْلَ فَرِحَ، وَصَدِيَ، وَهَوِيَ، وَرَوِيَ.

وَأُسْنِدَ الْوَجَلُ إِلَى الْقُلُوبِ لِأَنَّ الْقَلْبَ يَكْثُرُ إِطْلَاقُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى إِحْسَاسِ الْإِنْسَانِ وَقَرَارَةِ إِدْرَاكِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْعُضْوَ الصَّنَوْبَرِيَّ الَّذِي يُرْسِلُ الدَّمَ إِلَى الشَّرَايِينِ.

وَقَدْ أَجْمَلَتِ الْآيَةُ ذِكْرَ اللَّهِ إِجْمَالًا بَدِيعًا لِيُنَاسِبَ مَعْنَى الْوَجِلِ، فَذِكْرُ اللَّهِ يَكُونُ: بِذِكْرِ اسْمِهِ، وَبِذِكْرِ عِقَابِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَبِذِكْرِ ثَوَابِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَهُ الْوَجَلُ فِي قُلُوبِ كُمَّلِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَعَهُ اسْتِحْضَارُ جَلَالِ اللَّهِ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ وَسِعَةِ ثَوَابِهِ، فَيَنْبَعِثُ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِحْضَارِ تَوَقُّعُ حُلُولِ بَأْسِهِ، وَتَوَقُّعُ انْقِطَاعِ بَعْضِ ثَوَابِهِ أَوْ رَحْمَتِهِ، وَهُوَ وَجَلٌ يَبْعَثُ الْمُؤْمِنَ إِلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْخَيْرِ وَتَوَقِّي مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَمُلَاحَظَةِ الْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ» .

وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ حَثَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الرِّضَى بِمَا قَسَّمَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنايم بَدْرٍ، وَأَنْ يَتْرُكُوا التَّشَاجُرَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، نَاسَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَجِلِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْوَجَلُ حَالَيْنِ يَحْصُلَانِ لِلْمُؤْمِنِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْحَالُ الْآخَرُ هُوَ الْأَمَلُ وَالطَّمَعُ فِي الثَّوَابِ فَطَوَى ذِكْرَهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِلْزَامِ الْوَجَلِ إِيَّاهُ، لِأَنَّ مِنَ الْوَجَلِ أَنْ يَجِلَ، مِنْ فَوَاتِ الثَّوَابِ أَوْ نُقْصَانِهِ.

وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً.

التِّلَاوَةُ: الْقِرَاءَةُ وَاسْتِظْهَارُ مَا يَحْفَظُهُ التَّالِي مِنْ كَلَامٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَحْكِيهِ لِسَامِعِهِ،