للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَزْمِنَةٍ مِنْهَا زَمَانُ اسْتِغَاثَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ رَبَّهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، حِينَ لِقَائِهِمْ مَعَ عَدُوِّهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَتِ اسْتِجَابَةُ اللَّهِ لَهُمْ بِإِمْدَادِهِمْ بِالْمَلَائِكَةِ، مِنْ مَظَاهِرِ إِرَادَتِهِ تَحْقِيقَ الْحَقِّ فَكَانَتْ الِاسْتِغَاثَةُ يَوْمَ الْقِتَالِ فِي بَدْرٍ وَإِرَادَةُ اللَّهِ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ حَصَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَرَشَّحَ لَهُمْ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ذَاتَ الشَّوْكَةِ، وَبَيْنَ وَقْتِ الْإِرَادَةِ وَوَقْتِ الِاسْتِغَاثَةِ مُدَّةُ أَيَّامٍ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْإِرَادَةُ مُسْتَمِرَّةً إِلَى حِينِ النَّصْرِ يَوْمَ بَدْرٍ صَحَّ تَعْلِيقُ ظَرْفِ الِاسْتِغَاثَةِ بِفِعْلِهَا، لِأَنَّهُ اقْترن بِبَعْضِهَا فِي امْتِدَادِهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي مُتَعَلِّقٍ هَذَا الظَّرْفِ أَوْ مَوْقِعِهِ.

وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى دُعَاءِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ «نَظَرَ نَبِيءُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفَ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيءُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ [لَا] (١) تَعْبُدُ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ أَلْتَزِمُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ يَا نَبِيءَ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَةَ رَبِّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أَيْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي حِكَايَةِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ ضَمِيرُ تَسْتَغِيثُونَ مُرَادًا بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّرَ عَنْهُ بضمير الْجَمَاعَة لِأَن كَانَ يَدْعُو لِأَجْلِهِمْ، وَلِأَنَّهُ كَانَ مُعْلِنًا بِدُعَائِهِ وَهُمْ يَسْمَعُونَهُ، فَهُمْ بِحَالِ مَنْ يَدْعُونَ، وَقَدْ جَاءَ فِي «السِّيرَةِ» أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا نَزَلُوا بِبَدْرٍ وَرَأَوْا كَثْرَةَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَغَاثُوا اللَّهَ تَعَالَى فَتَكُونُ الِاسْتِغَاثَةُ فِي جَمِيعِ الْجَيْشِ وَالضَّمِيرُ شَامِلًا لَهُمْ.

وَالِاسْتِغَاثَةُ: طَلَبُ الْغَوْثِ، وَهُوَ الْإِعَانَةُ عَلَى رَفْعِ الشِّدَّةِ وَالْمَشَقَّةِ وَلَمَّا كَانُوا يَوْمَئِذٍ فِي شِدَّةٍ وَدَعَوْا بِطَلَبِ النَّصْرِ عَلَى الْعَدُوِّ الْقَوِيِّ كَانَ دُعَاؤُهُمُ اسْتِغَاثَةً.

فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَيْ وَعَدَكُمْ بِالْإِغَاثَةِ.

وَفِعْلُ اسْتَجَابَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الطَّلَبِ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ تَحْقِيقُ الْمَطْلُوبِ.


(١) زِيَادَة من «سنَن التِّرْمِذِيّ» ٥/ ٢٦٩. كتاب «تَفْسِير الْقُرْآن» (٩) بَاب، وَمن سُورَة الْأَنْفَال، رقم (٣٠٨١) .