للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَرَنَهَا، فِي قَرْنِ زَمَانِهَا، وَجَعَلَ يَنْتَقِلُ مِنْ إِحْدَاهَا إِلَى الْأُخْرَى بِوَاسِطَةِ إِذِ الزَّمَانِيَّةُ، وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ التَّخَلُّصِ، وَهُوَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ فِيمَا أَحْسَبُ.

وَلِذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظَّرْفُ مَفْعُولًا فِيهِ لِقَوْلِهِ: وَمَا النَّصْرُ [الْأَنْفَال: ١٠] فَإِنَّ إِغْشَاءَهُمُ النُّعَاسَ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ وَقت حُصُوله طرفا لِلنَّصْرِ.

وَالْغَشْيُ وَالْغَشَيَانُ كَوْنُ الشَّيْءِ غَاشِيًا أَيْ غَامًّا وَمُغَطِّيًا، فَالنَّوْمُ يُغَطِّي الْعَقْلَ.

وَالنُّعَاسُ النَّوْمُ غَيْرُ الثَّقِيلِ، وَهُوَ مِثْلُ السِّنَةِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: يُغَشِّيكُمُ، بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُضَارِعُ أَغْشَاهُ وَبِنَصْبِ النُّعاسَ وَالتَّقْدِيرُ: إِذْ يُغْشِيكُمُ اللَّهُ النُّعَاسَ، وَالنُّعَاس

مفعول ثَانِي لِيَغْشَى بِسَبَبِ تَعْدِيَةِ الْهَمْزَةِ وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الشِّينِ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَبِرَفْعِ النُّعَاسِ، عَلَى أَنَّ يَغْشَاكُمْ مُضَارِعُ غَشِيَ وَالنُّعَاسُ فَاعِلٌ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ: بِضَمِّ التَّحْتِيَّة وَفتح الْغَيْن وَتَشْدِيدِ الشِّينِ وَنَصْبِ النُّعَاسِ، عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ غَشَّاهُ الْمُضَاعَفِ وَالنُّعَاسُ مَفْعُولٌ ثَانٍ.

فَإِسْنَادُ الْإِغْشَاءِ أَوِ التَّغْشِيَةِ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّرَ أَنْ يَنَامُوا فِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فِي مِثْلِهِ الْخَائِفُ، وَلَا يَكُونُ عَامًّا سَائِرَ الْجَيْشِ، فَهُوَ نَوْمٌ مَنَحَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ لِفَائِدَتِهِمْ.

وَإِسْنَادُ الْغَشْيِ إِلَى النُّعَاسِ حَقِيقَةٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ أَمَنَةً مِنْهُ.

و (الأمنة) الْأَمْنُ، وَتَقَدَّمَ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَ (النُّعَاسَ) ، وَعَلَى الْحَالِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ (النُّعَاسَ) .

وَإِنَّمَا كَانَ (النُّعَاسُ) أَمْنًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَامُوا زَالَ أَثَرُ الْخَوْفِ مِنْ نُفُوسِهِمْ فِي مُدَّةِ النَّوْمِ فَتِلْكَ نِعْمَةٌ، وَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا وَجَدُوا نَشَاطًا، وَنَشَاطُ الْأَعْصَابِ يُكْسِبُ صَاحِبَهُ شَجَاعَةً وَيُزِيلُ شُعُورِ الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ فُتُورُ الْأَعْصَابِ.

وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي يُغَشِّيكُمُ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ.