تَذْكِيرُهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ، بَعْدَ الضَّعْفِ وَالْقِلَّةِ وَالْخَوْفِ، لِيَذْكُرُوا كَيْفَ يَسَّرَ اللَّهُ لَهُمْ أَسْبَابَ النَّصْرِ مِنْ غَيْرِ مَظَانِّهَا، حَتَّى أَوْصَلَهُمْ إِلَى مُكَافَحَةِ عَدُوِّهِمْ وَأَنْ يَتَّقِيَ أَعْدَاؤُهُمْ بَأْسَهُمْ، فَكَيْفَ لَا يَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ قَدْ كَثُرُوا وَعَزُّوا وَانْتَصَرُوا، فَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ، وَمَجِيءُ هَذِهِ الْخِطَابَاتِ بَعْدَ وَصْفِهِمْ بِالَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الَّذِي سَاقَ لَهُمْ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ هَذَا أَثَرَهُ فِيهِمْ كُلَّمَا احْتَفَظُوا عَلَيْهِ كُفُوهُ مِنْ قَبْلِ سُؤَالِهِمْ، وَمِنْ قَبْلِ تَسْدِيدِ حَالِهِمْ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ بَعْدَ تَرَفُّهِ حَالِهِمْ أَشَدَّ اسْتِجَابَةً وَأَثْبَتَ قُلُوبًا.
وَفَعْلُ وَاذْكُرُوا مُشْتَقٌّ مِنَ الذّكر- بِضَم الدَّال- وَهُوَ التَّذَكُّرُ لَا ذِكْرَ اللِّسَانِ، أَيْ تَذَكَّرُوا.
وإِذْ اسْمُ زَمَانٍ مُجَرَّدٍ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ، فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، أَيِ اذْكُرُوا زَمَنَ كُنْتُمْ قَلِيلًا.
وَجُمْلَةُ: أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُضَافٌ إِلَيْهَا إِذْ لِيَحْصُلَ تَعْرِيفُ الْمُضَافِ، وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ اسْمِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ وَصْفِ الْقِلَّةِ وَالِاسْتِضْعَافِ فِيهِمْ.
وَأَخْبَرَ بِ قَلِيلٌ وَهُوَ مُفْرَدٌ عَنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ قَلِيلًا وَكَثِيرًا قَدْ يَجِيئَانِ غَيْرَ
مُطَابِقَيْنِ لِمَا جَرَيَا عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٤٦] .
وَالْأَرْضُ يُرَادُ بِهَا الدُّنْيَا كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٥٦] فَالتَّعْرِيفُ شَبِيهٌ بِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، أَوْ أُرِيدَ بِهَا أَرْضُ مَكَّةَ، فَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْنَى تَذْكِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيَّامِ إِقَامَتِهِمْ بِمَكَّةَ قَلِيلًا مُسْتَضْعَفِينَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ طَائِفَةً قَلِيلَةَ الْعَدَدِ قَدْ جَفَاهُمْ قَوْمُهُمْ وَعَادَوْهُمْ فَصَارُوا لَا قَوْمَ لَهُمْ وَكَانُوا عَلَى دِينٍ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَالِمِ فَلَا يَطْمَعُونَ فِي نَصْرٍ مُوَافِقٍ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ وَهُمْ فِي مَكَّةَ فَهُمْ كَذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَرْضِ فَآوَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ صَرَفَ أَهْلَ مَكَّةَ عَنِ اسْتِيصَالِهِمْ ثُمَّ بِأَنْ قَيَّضَ الْأَنْصَارَ أَهْلَ الْعَقَبَةِ الْأَوْلَى وَأَهْلَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، فَأَسْلَمُوا وَصَارُوا أَنْصَارًا لَهُمْ بِيَثْرِبَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة فئاواهم بِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْهِجْرَةِ إِلَى يثرب فئاواهم بِهَا، ثُمَّ صَارَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا أَعْدَاءً لِلْمُشْرِكِينَ فَنَصَرَهُمْ هُنَالِكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَاللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute