وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَخْبَارُ تُتَرْجَمُ لِلْعَرَبِ بِاللِّسَانِ وَيَسْتَظْهِرُهَا قُصَّاصُهُمْ وَأَصْحَابُ النَّوَادِرِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيَّةِ، فِيمَا أَحْسَبُ، إِلَّا مَا وَقَعَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ جَاءَ بِنُسْخَةٍ مِنْ خَبَرِ (رُسْتُمَ) وَ (إِسْفَنْدِيَاذَ) وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ تِلْكَ الْأَخْبَارِ
مَكْتُوبًا بِالْعَرَبِيَّةِ كَتَبَهَا الْقَصَّاصُونَ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَالْأَنْبَارِ تَذْكِرَةً لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ أَخْبَارٌ لَا حِكْمَةَ فِيهَا وَلَا مَوْعِظَةَ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهَا الْفِرْدَوْسِيُّ فِي كِتَابِ «الشَّاهْنَامِهْ» تَطْوِيلًا مُمِلًّا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْقَصَصِ، وَقَالَ الْفَخْرُ: اشْتَرَى النَّضْرُ مِنَ الْحِيرَةَ أَحَادِيثَ كَلِيلَةَ وَدِمْنَةَ، وَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَالْمُقْتَسِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ، فَإِسْنَادُ قَوْلِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ: مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُؤَيِّدُونَهُ وَيَحْكُونَهُ وَيُحَاكُونَهُ، وَيَحْسَبُونَ فِيهِ مَعْذِرَةٌ لَهُمْ عَنِ الْعَجْزِ الَّذِي تَلَبَّسُوا بِهِ فِي مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ نَفَّسَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْأُغْلُوطَةِ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي ابْتَكَرَهُ هُوَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَصْدُرَ أَمْثَالُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَمْثَالِهِ وَأَتْبَاعِهِ، فَمِنْ ضِمْنَهُمْ مَجْلِسُهُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ بِهَذِهِ النزاقة.
وَقَوْلُهُمْ: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِيهَامٌ بِأَنَّهُمْ تَرَفَّعُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ شَاءُوا لَنَقَلُوا مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ مَا يُوَازِي قَصَصَ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ وَقَاحَةٌ، وَإِلَّا فَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يَشَاءُوا مُعَارَضَةَ مَنْ تَحَدَّاهُمْ وَقَرَّعَهُمْ بِالْعَجْزِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [الْبَقَرَة:
٢٤] مَعَ تَحَيُّزِهِمْ وَتَأَمُّرِهِمْ فِي إِيجَادِ مَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ بِهَا عَنِ الْقُرْآنِ وَإِعْجَازِهِ إِيَّاهُمْ وَتَحَدِّيهِ لَهُمْ، وَمَا قَالَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي أَمر الْقُرْآن.
و
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute