وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْخُمُسَ لِخَمْسَةِ مَصَارِفَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارَ مَا لِكُلِّ مَصْرِفٍ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ ذَلِكَ لِيَكُونَ صَرْفُهُ لِمَصَارِفِهِ هَذِهِ مَوْكُولًا إِلَى اجْتِهَادِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَيُقَسَّمُ بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ وَالْمَصَالِحِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ مَصْرِفٍ مِنْهُ مَا يَفِي بِحَاجَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا ضَرَّ مَعَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَصْرِفِ الْآخَرِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي قِسْمَةِ الْخُمُسِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعَرُّضٌ لِمِقْدَارِ الْقِسْمَةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يُنَاطَ بِالْحَاجَةِ، وَبِتَقْدِيمِ الْأَحْوَجِ وَالْأَهَمِّ عِنْدَ التَّضَايُقِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَقَدْ
قَالَ عُمَرُ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ»
. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَسَّمُ لِكُلِّ مَصْرَفٍ الْخُمُسُ مِنَ الْخُمُسِ، لِأَنَّهَا خَمْسَةُ مَصَارِفَ، فَجَعَلَهَا مُتَسَاوِيَةً، لِأَنَّ التَّسَاوِيَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرِكَةِ الْمُجْمَلَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى دَلِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْجِيحِ وَإِذْ قَدْ جَعَلَ مَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ خُمُسًا وَاحِدًا تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ فَقَدْ جَعَلَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ارْتَفَعَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ وَسَهْمُ قَرَابَتِهِ بِوَفَاتِهِ، وَبَقِيَ الْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَخَذَ سَهْمًا فِي الْمَغْنَمِ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، لَا لِأَنَّهُ إِمَامٌ، فَلِذَلِكَ لَا يَخْلُفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ، يَبْدَأُ بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ بِلَا تَقْدِيرٍ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَعَانِيهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ [الْبَقَرَةِ: ١٧٧] وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً- إِلَى قَوْلِهِ- وَابْنِ السَّبِيلِ [النِّسَاءِ: ٣٦] .
وَالْيَتَامَى وَابْنُ السَّبِيلِ لَا يُعْطَوْنَ إِلَّا إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَفَائِدَةُ تَعْيِينِ خُمُسِ الْخُمُسِ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا يُحَاصَّهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالشَّأْنُ، فِي الْيَتَامَى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute