الْجَوَابِ بِالْحُصُولِ عِنْدَ انْتِفَاءِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الْأَنْعَام: ٢٨] . وَمُحَصِّلُ هَذَا أَنَّ مَضْمُونَ الْجَزَاءِ مُسْتَمِرُّ الْحُصُولِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فِي فَرْضِ الْمُتَكَلِّمِ، فَيَأْتِي بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ مُتَضَمِّنَةً الْحَالَةَ الَّتِي هِيَ عِنْدَ السَّامِعِ مَظِنَّةُ أَنْ يَحْصُلَ فِيهَا نَقِيضُ مَضْمُونِ الْجَوَابِ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُ طُفَيْلٍ فِي الثَّنَاءِ عَلَى بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونَا وَلَوْ أَنَّ أُمَّنَا ... تُلَاقِي الَّذِي لَاقَوْهُ مِنَّا لَمَلَّتِ
أَيْ فَكَيْفَ بِغَيْرِ أُمِّنَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٢٣] ، وَكُنَّا أَحَلْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١١] .
وَالْمَعْنَى: لَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ، أَيْ فِي وَقْتِ مَا تَوَاعَدْتُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ الْمُتَوَاعِدِينَ أَنْ لَا يَسْتَوِيَ وفاؤهما بِمَا تواعدا عَلَيْهِ فِي وَقْتِ الْوَفَاءِ بِهِ، أَيْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ التَّوْقِيتَ كَانَ فِي تِلْكَ الْأَزْمَانِ تَقْرِيبًا يُقَدِّرُونَهُ بِأَجْزَاءِ النَّهَارِ كَالضُّحَى وَالْعَصْرِ وَالْغُرُوبِ، لَا يَنْضَبِطُ بِالدَّرَجِ وَالدَّقَائِقِ الْفَلَكِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: فَبِالْأَحْرَى وَأَنْتُمْ لَمْ تَتَوَاعَدُوا وَقَدْ أَتَيْتُمْ سَوَاءً فِي اتِّحَادِ وَقْتِ حُلُولِكُمْ فِي الْعُدْوَتَيْنِ فَاعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ تَيْسِيرٌ بِقَدَرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ نَصْرَكُمْ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الْأَنْفَال: ١٧] .
وَهَذَا غَيْرُ مَا يُقَالُ، فِي تَقَارُبِ حُصُولِ حَالٍ لِأُنَاسٍ: «كَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ» كَمَا قَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ يَرْثِي هَلَاكَ أَحْلَافِهِ وَأَنْصَارِهِ.
جَرَتِ الرِّيَاحُ عَلَى مَحَلِّ دِيَارِهِمْ ... فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِيعَادِ
فَإِنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لِلْحُصُولِ المتعاقب.
وَضمير لَاخْتَلَفْتُمْ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا شَامِلٌ لِلْفَرِيقَيْنِ: الْمُخَاطَبِينَ وَالْغَائِبِينَ، عَلَى تَغْلِيبِ الْمُخَاطَبِينَ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الضَّمَائِرِ مِثْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute